ذكرى المولد النبوي

 

زين بن حسين الحداد

 

للتاريخ أحداثٌ عظيمةٌ غيَّرت مسار العالم وقلبت موازين الأمم، فجعلت العزيز ذليلًا والذليل عزيزًا، والأيام بين النَّاس دول. أما التاريخ الإسلامي فكان الأكثر حضورًا وتأثيرًا في تاريخ البشرية بسبب اهتمام المسلمين بسيرتهم وتاريخهم وتدوين أدق التفاصيل.

(وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ..)

للإسلام أحداث وذكريات لا يمكن تجاهلها وتركها بين أسطر أوراق الكتب دون أن نحيها ونذكر الناس بها كميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته وهجرته وانتصاره في المعارك الحاسمة وكل حدث ونعمة أنعم الله بها على نبيه وأمته، قال تعالى "وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ". أي بنعم الله تبارك وتعالى. وقد أهتم القرآن بقصص السابقين من قبلهم بهدف تخليد ذكراهم وتثبيت فؤاد من أتى من بعدهم فقال تعالى (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هـذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ). فقد كان الله يُثبت قلب نبيه بذكر قصص السابقين ونحن أحوج إلى هذا التثبيت ولا يوجد أفضل وأعظم من قصص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لنثبت بها قلوبنا على القرب من الله والسير في طريقه والاقتداء بهديه. وقد اهتم نبينا بالاحتفاء بذكرى الأنبياء من قبله فعندما وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء احتفالا وشكرًا لله على إنقاذ نبيهم موسى عليه السلام أقر هذا الصيام وقال نحن أحق بموسى منهم فصامه الرسول عليه الصلاة والسلام.

(فيه وُلِدتُ..)

وفي أيامنا هذه تطل علينا في شهر ربيع الأول ذكرى ميلاد خير البشر والتي كانت سبباً في وجود النبي في هذا العالم وسبباً في وصول الدعوة المحمدية، وقد روى مسلم (1162) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِإثْنَيْنِ فَقَالَ: (فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ). فأراد النبي أن يشكر الله على نعمة ميلاده بصيام الإثنين، ولو كانت حادثة الميلاد غير مهمة لما تطرق لها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، ونستنتج من صيام الإثنين وصيام عاشوراء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يهتم للأحداث السابقة وأن النعم تُشكر بالصيام، وبالقياس جاز لنا أن نشكر الله على نعمه بالعبادات الأخرى، فمن رزقه الله بنعمة جاز له أن يتصدق أو يصلي أو يصوم وغيرها من الطاعات.

المحبة والقدوة

وبسبب ابتعاد النَّاس عن قراءة سيرة النبي وأخلاقه وصفاته والاقتداء بهديه وسنته، وبسبب تعلق الأجيال الجديدة بقدوات ساقطة، كان الواجب أن تُستغل المناسبات وذكرى الأحداث في التذكير بالنبي وبالحث على حبه والتعلق به بإقامة الدروس والمحاضرات والندوات وإنشاد الشعر والمدح فيه وفي حبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". فكيف تتحقق المحبة وذكره غائب عنَّا وسيرته مفقودة بيننا، أما الصحابة فعاشوا حب النبي وكانت كل أيامهم احتفاء ومحبة، كيف لا وهم يعيشون بين يديه ولا يحتاجون إلى تذكير وقد فدوا النبي بأنفسهم وأرواحهم وأموالهم، ولا يجاوز رتبة الصحابة لا التابعين ولا من لحقهم وإن زادوا في العبادات لأنَّ الصحابة نالوا شرف الصحبة بقربهم منه وبمحبته وبالتضحية له. وفي قصصهم الكثير من العجائب التي تدل على محبتهم لرسول الله. وفي هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم لما سأله الأعرابيُّ: متى الساعة؟ قال: ماذا أعددتَ لها؟ قال: ما أعددتُ لها من كثير صلاةٍ، ولا صومٍ، ولكني أحبُّ الله ورسوله، فقال: أنتَ مع مَن أحببتَ. يقول أنس رضي الله عنه بعد ما ذكر هذا الحديث: "فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".

اجتماع عاجل

هل فكرت يومًا أن تجمع أبناءك وعائلتك واقتطاع جزء من وقتك للتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقصصه وتحبيبهم فيه، ليس شرطا أن يكون في يوم واحد في السنة ولكنه أقل القليل. فإن استطعت فاجعلها عادة شهرية أو أسبوعية تنور بها قلوب أبنائك وأركان منزلك وتعزز بها الارتباط بسيد البشر. وفي الحديث أنَّ رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خرَج علَى حَلْقَةٍ مِن أَصحابِه فَقَالَ: مَا أَجْلَسكُمْ؟ قالوا: جلَسْنَا نَذكُرُ اللَّه، ونحْمدُهُ علَى ماهَدَانَا لِلإِسْلامِ، ومنَّ بِهِ عليْنا. قَال: آللَّهِ مَا أَجْلَسكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟ قالوا: واللَّه مَا أَجْلَسنا إِلاَّ ذَاكَ. قالَ: أَما إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولِكنَّهُ أَتانِي جبرِيلُ فَأَخْبرني أَنَّ اللَّه يُباهِي بِكُمُ الملائكَةَ رواهُ مسلمٌ.

خاتمة..

أحب أن أختم مقالتي بأجمل أبيات الصحابة في مدحهم لرسول الله فقد قال شاعر النبي الصحابي حسان بن ثابت:

"واحسن منك لم تر قط عيني // وأجمل منك لم تلد النساء

خلقت مبرأ من كل عيب // كأنك قد خلقت كما تشاء"

ولعم النبي العباس بن عبدالمطلب أبيات جميلة أيضًا:

"وأنت لما ولدتَ أشرقت الـ // أرضُ وضاءت بنورك الأفُقُ

فنحن في ذلك الضياء وفي // النور وسُبْل الرشاد نخترقُ"

تعليق عبر الفيس بوك