ماجد المرهون
majidalmrhoon@gmail.com
اكتشف الإنسان منذ البداية حاجته الماسَّة إلى التواصل عن بعد لتوفير الجهد، ومنذ القدم وهو يحاول إبتكار أساليبٍ واختراع آلياتٍ لتبسيط نقل المعلومة بأسرع وقتٍ وأسهل طريقةٍ ممكنة بحسب معطياته وإمكاناته، بدايةً بالصوت الطبيعي مروراً بالإشارات الجسدية والحركية، ثم الطبول والدخان في دلالاتٍ سمعية وبصرية قصيرة متفقٌ عليها، وصولا إلى تشكيل مراكزٍ ثابتة ومتقاربة لنقل المعلومات فيما بينها على شكل رموزٍ تعبيرية؛ الأمر الذي أنتج فكرة الرسم عن بعد أو مايعرف بالتلغراف البصري والذي سُمي في فرنسا لاحقاً بنظام "شاب" وكان أول مشروعٍ معتمد للتواصل البعيد.
عموما.. شكَّل توظيف الكهرباء ثورة كبيرة في تطور الاتصالات ولسنا بصدد تاريخ تطور العلوم فنضرب عنه صفحاً ونقفز قفزة تاريخية طويلة تعادل 119 عامًا بعد "ألكسندر جراهام بل" إلى عام 1995م عند وصول النظام العالمي للجوال والذي شكل نقلةً نوعيةً في عالم الاتصالات ومكن الجميع من امتلاك أجهزتهم المحمولةِ يدوياً بعد أن كان النقَّال الضخم نوعًا من أنواع الرفاهيةِ والثراء وربما التباهي، وليس للضرورة عند البعض. فكان التسارع الحثيث في تطوير هذا النظام الجديد بسبب زيادة عدد مستخدمية لانخفاض تكلفته وكثرة الطلب عليه وسرعة انتشاره مع تنافسية محمومة بين شركات التصنيع، إلى أن تداخلت خدمتا شبكة المعلومات الدولية الإنترنت والهاتف المحمول بعد أن كانتا منفصلتين ليشكل تحالفهما معاً نافذةً مفتوحةً على العالم توضع في جيب كل إنسان ولم تعد حكراً على نخبٍ محددة.
الخير والشر وجهان لعملةٍ واحدةٍ، ونظير الحسن في قانون حياتنا المعتاد هو السيئ والذي يتجنبه الجميع باستثناء المسترزق منه؛ وانضوى تحت دمج نظامين عالميين في جهازٍ ذكي الكثير من المنافع وأيضاً الكثير من المضار، وكما يوجد من يستفيد من المنافع يوجد من يستفيد من المضار لتسخيرها في الكسب السريع غير مبالٍ بمشروعيته وحلاله من حرامه، وذلك بالتلصص على اختراق ثغراته الفنية. وهذا عملٌ يقوم به مختصون وخبراء للإيقاع بالضحية، مستغلين الأمية الحديثة الطارئة على عالم التقنية والتي تشكل معظم المستخدمين مع همساتهم الناعمة في حب الخير لكل الناس.
أولئك الهامسون هم مجموعات وأفراد يعملون في الخفاء وينتحلون الكثير من الصفات وأكثرها شيوعاً الآن هي الدعم الفني للخدمات ذات الصلة المباشرة بالهواتف والمصارف لنصب أفخاخٍ على شكل رسائل ملغومةٍ بمسارات ربط إلكتروني أو اتصالات مباشرة فيها الكثير من العاطفة واللين والصبر والتسامح، حتى يستميل الضحية إلى جانبه ويضمن استجابتها. وقد يشترك معظمهم في بعض الخصال والصفات كضعف اللغة المستخدمة في الكتابةِ والقراءة والنُطق، كونهم خبراء نصب واحتيال لا خبراء لغات، ولن يستعينوا بمدققين لغويين؛ حيث سرعة النشر لاقتناص الفرص تحول دونهم ودون الأمور التي من شأنها تعطيلهم وتأخيرهم عن أهدافهم المنشودة، بالإضافة إلى الحفاظ على سرية أعمالهم وإبقائها في حدودٍ ضيقة.
الكثير من الناس لا يعي أبسط علامات الخداع التي يستخدمها المتصيد الإلكتروني (المحتال) في نيل مطالبه بالتكسب على حساب وعرق البسطاء وظهور وجهود الشرفاء من الذين يوقِعهم حسن ظنهم المشوب بالفضول والتسرع ضحية ذلك التضليل، حيث يوهمهم (النصاب) برغبته الملحةِ وحبه الشديد في تقديم الخدمة لهم والحفاظ على مصالحهم من خلال صورٍ خادعةٍ تحمل في مطاويها أسماء لجهاتٍ رسمية مع اختام ودمغاتٍ متعددة لإضفاء صفة الثقة عليها وتذييلها برقم هاتفٍ ورابطٍ إلكتروني، واستخدام موسيقى حديثٍ ينسابُ في منتهى اللطف والوداعة، وفي لحظات سريعة يتجلى مَكرهُ الخفي عند التهديد المبطن بفقد مصلحة، كحظرٍ للبطاقةِ المصرفية مثلاً أو تقييد الحساب بالكامل، وهذه إشارةٌ شبه صريحةٍ تسترعي الانتباه، ثم يلجأ إلى نبرة الحث على سرعة تنفيذ مطالبهِ كمشاركة الأرقام مثل الحساب والبطاقة وغيرها من المعلومات التي قد تكون خاصة وسرية للغاية، وقد يضفي على نفسه سِمة المحب للخير والذي سيكافئ الضحية بجائزة مجانية لوجه الله تساوي آلاف الريالات ولكن بشروطه الخاصة بعد نجاح عملية التغرير، والخطورة تكمن في تلك الشروط الهادفة إلى إغواء من تنطلي عليه الخُدعة فيقع في براثن المكيدة ولن ينفعه وقتها حسن ظنه، عندما تتوالى عليه الرسائل النصية بالخصم من حسابة ولن يجد غريماً لمقاضاته.
يستبد بنا العجب عندما يقع أحدهم ضحية هذا النوع من النصب والاحتيال واشفق على ما اقحم نفسه به من خسرانٍ ناتجٍ عن جهله وتسرعه، وأكثر ما يدعو للغرابة أن يُستدرج المستخدم اليوم وبعد أكثر من 20 عامًا تقريباً من ظهور هذا النظام المدمج إلى مكامن المفترسين ويقبل بممارسة دور الفريسة عليه من غريب لا يعرف عنه شيئاً، مع كل التحذيرات والتنبيهات والامثلة التي تُنشر على مستوى الإعلام ومواقع التواصل.
ومع كل ما سبق فلن نجد مبرراً لمن يوقع نفسه اليوم في إشكالات التصيد الإلكتروني ويسمح للهامسين الإنسانيين جداً بالنيل منه وسرقة ثمرة شقائه بعد أن سلمهم بيده مفتاح بابهِ الذي كان موصداً في وجوههم قبل خمسةِ دقائق ولا حيلة لهم أكثر من الإزعاج بالطرق عليه بين الحين والآخر.
لا تستقيمُ ذريعة العذرِ بالجهل بعد معرفة المحاذير، ومن لم يستفد من تجارب الآخرين سيقع في مشيئةِ الاحتمالات عندما يُلقي به جهلهُ متسرعاً في وجه المغامرة وسوف تكون الخسارة هي أرجح نتيجة لتلك المخاطرة.