أديسون كان طفلًا غبيًا

 

أنيسة الهوتية

"أديسونَ كانَ طِفلًا غبيًا، وَلَكِن بِفضلِ والدتهِ الرائعة تَحول لِعبقري".. جذبتني تِلك الجُملة التي كتبها توماس أديسون في دفتر مذكراته وهو يبكي تخليدًا لذكرى والدته نانسي إليوت أديسون وإنجازها في تربية ابنها الذي لم يكن الوحيد لها بل كان السابع وآخر العنقود من بين إخوته وأخواته.

ولأنهُ أُصيبَ بالتهاب الخشاء والذي تسبب لهُ بضعفٍ في السمع منذ صغره، فقد كان يصعب عليه الإنصات والاستماع الجيد للمُدرسةِ في الحصص المدرسية وفي يومٍ رجع إلى البيت مع رسالة من المدرسة، فقرأتها الأمُ له بصوتٍ عالٍ وهي تبكي: "ابنكِ عبقري والمدرسة صغيرةٌ عليهِ وعلى قدراتهِ عليكِ أن تُعلميهِ في المنزل".. وبعد وفاة والدته جذبه الحنين فبدأ يبحث عن الذكريات في خزانة والدته، وجد تلك الرسالة والتي كان مكتوبًا فيها: "ابنك غبي جدًا، ولا يستوعب شيئًا ولذلك من صباح الغدِ لن نستقبلهُ بالمدرسة".

فبكى على تلك الحقيقة التي لم يعلمها إلى يومهِ، وكتب تِلك الجُملة في دفتر مذكراته تقديرًا لوالدتهِ التي كانت السبب الأول لتوصيلهِ إلى تلك العبقرية لأنها آمنت بابنها ولم تتأثر بكلمات المُعلمة الجارحة ووصفهُ بالغباء!

وهُنا مربط الفرس (الإيمان) بأبنائنا، وعَدمَ التأثر بتعليقاتِ وانتقادات المجتمع والأهل والناس المستمرة لأبنائنا، وانتقاصهم الذي عادةً يُنَقصُ من ثقة الآباءِ في أبنائهم، وَيُقَللُ من محبتهم شيئًا فشيئًا مع الأيام لأنهم سيصبحون أولياء أمور خائفين من اهتزاز صورتهم أمام المجتمع، مُرتعبين من تعليقات الناس على تربيتهم التي قدموها لأبنائهم والتي لم تعطِ نتيجة مثالية للمجتمع الذي ينتظرون التصفيق والمديح منه!

فيجعلهم فخورين بكونهم مُربين مثاليين يستحقون وضع صورهم على سبورة التربية المجتمعية لفصول طويلة.. وبنيل هذا الشعور الذي يكونُ هدفًا لأغلب أولياء الأمور فإنهم يفقدون القُربَ من مشاعر أبنائهم واحتياجاتهم النفسية بقدر كونهم قريبين لرضى المجتمع والناس وتلميع صورتهم الموضوعة على ذلك الجدار!

والعجيب في والدة أديسون أنها استطاعت فعل ذلك الإنجاز وهي أمٌ لسبعة! تربية سبعة أبناء مع تلك المثالية العالية وقوة التحمل وامتصاص الآلام عنهم! فإنَّ أي أُمِ تحتاجُ إلى عصا سحرية لإنجازُ تِلك المهمة الشاقة، ولكنهن يستخدمنَ سحر الأُمهات وَهو الاستمتاع بالتربية وبالأمومة برضا تام، ولا يعشنهُ وكأنهُ عملٌ إجباري عليهنِ إنهاؤه والتخلص منه حتى يتفرغن لأمورهِن الأخرى الأهم! لأنهُن فعلًا يعشن ويستمتعن بالأهمِ... وهو الاستمتاع بتربية الأبناء والتعايش معهم وتوجيههم بحبٍ وَسلام، وقبولِ سلبياتهم وتبديلها لإيجابيات مع مراعاة مشاعرهم ورغباتهم دون ممارسة الأمر والنهي فقط!

لأنهم وإن كانوا من أرحامنا وظهورنا إلا أنهم كياناتٌ مختلفة عنَّا بأجسادهم، أرواحهم، أفكارهم، عقولهم، مشاعرهم، رغباتهم، فضولهم..إلخ ولحصرهم في أمان يجب علينا أن نُبدل علاقاتنا بهم حسب ظروفهم، إمكاناتهم، فضولهم وأعمارهم فكما قال المثل العربي: (إذا كبر ابنك خاويه)، وإلا فإنه (إنها) سينفض من حولك!

وإذا مارست دور المعلم طوال اليوم فإنه (إنها) سيفكر في الهروب من البيت، كما يفكر بعض الطلبة بالهروب من المدرسةّ!

والأهمُ من كلِ مُهم التعاطي مع الأبناء بحب وتفهم وتقدير مثلهم مثل أي إنسان آخر، ووصفهم بأجمل الصفات وإن لم تكن فيهم ولكنها ستأتي مع الزمن من باب إحسان الظن والثقة. وأتذكر بأن جدتي كانت تنهى أمي وخالتي وغيرهن عن مناداة الأبناءِ بصفاتٍ سيئة حتى لو في حالة الغضب منهم، خشية أن تؤثر عليهم تلك الصفة، وكانت تقول إن نساء العرب قديمًا كنَّ يرضعن أطفالهن وهن يتحدثنَ إليهم ويمدحنهم بصفاتٍ طيبة بالنظر إلى أعينهم.

مثلهُ كَمثل الإيمانِ بتسميتهم بأسماءٍ تحمل صفاتٍ طيبة.