محمد البادي
جلالة السُّلطان المُعظم هو صاحب الحكم ورأس كل السلطات يؤتمر بأمره فيُطاع تعظيمًا له وإجلالًا لقدره، وإن ما يصدر من لدن جلالته من أوامر سامية وتوجيهات عُليا فهي تسمو وتعلو وتسود على كل ما عداها من قرارات أو تصرفات، مهما كان مصدرها؛ الأمر الذي يفرض على كافة المؤسسات في الدولة واجب الالتزام بهذه التوجيهات، والنهوض إلى تنفيذها بأسرع وقت مُمكن؛ ولا يتأتي لأي منها الخروج على مقتضياتها، أو إهدارها أو عدم التعويل عليها وإلا فقدت التصرفات الصادرة عنها الأساس الشرعي لوجودها.
هذا ما جاء في التعريف بالأوامر السامية الصادر عن وزارة الشؤون القانونية بالسلطنة، لكن ما يُلاحظه الجميع أنَّ تأخيرًا لا مبرر له في تنفيذ الأوامر السامية القاضية بصرف المعونة لطلبة المدارس من أبناء أسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود رغم مرور أكثر من شهر على صدورها. ففي بعض المدارس لم يتم صرف المعونة، إلّا في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر ولأبناء أسر الضمان الاجتماعي فقط، بينما معونة الطلبة من أبناء أسر الدخل المحدود لا زالت في علم الغيب؛ حيث لم يتغير شيء حتى الآن ولم تتضح الرؤية في هذا الشأن، وهذا التأخير والتواني في التنفيذ مخالف للنص الوارد في الفقرة القانونية المذكورة في بداية المقال.
لقد كشفت الأوامر السامية عن عدة حقائق لا نستطيع إنكارها، أولها وأبرزها عدم وجود قاعدة بيانات في مؤسسات الدولة جميعها لذوي الدخل المحدود، ولا يعرف عددهم بالضبط، ولا يوجد اتفاق على معايير تحدد هذه الفئة؛ بل لم يتفق على تحديد الحد الأدنى لرواتبهم، هل هو 600 ريال أو 400 ريال؟ أو أقل أو أكثر؟
المعايير تختلف من مؤسسة إلى أخرى، فنجد أن لكل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووزارة العمل ووزارة التربية والتعليم وجامعة السلطان قابوس معايير خاصة لتحديد فئة ذوي الدخل المحدود، ومعايير أخرى مختلفة تتبعها اللجنة الخاصة بوضع التسعيرة الشهرية للوقود. ويجب أن تتضافر جهود كافة مؤسسات الدولة من أجل تأسيس قاعدة بيانات حسب معايير واقعية وموحدة وعادلة لحصر فئة ذوي الدخل المحدود وتوفير إحصاءات دقيقة ومتجددة بأقصى سرعة والسعي بشكل جدي لتحسين أوضاعهم المعيشية، والأخذ بعين الاعتبار في ذلك المدخول الشهري وعدد أفراد الأسرة.
فمن غير المنطقي مساواة شخص راتبه 600 ريال وعدد أفراد أسرته 4 أفراد فقط، بشخص آخر راتبه الشهري 600 ريال وعدد أفراد أسرته 10 أفراد، كلهم يستحقون المعونة، ولكن من منهم يستحق معونة أكثر؟
وحقيقة أخرى أن وزارة التنمية الاجتماعية تارة نراها تسند أعمالها إلى الفرق الخيرية التطوعية في الولايات، وتارة إلى لجان الزكاة، واليوم تسند توزيع المعونة إلى المدارس؛ حيث تطالب إدارات المدارس بالقيام بتوزيع المعونة للطلبة، وهذا بلا شك يعتبر عبئًا إضافيًا يرهق كاهل إدارات المدارس، وخصوصًا المدارس ذات الكثافة العالية.
فعلى سبيل المثال، إحدى المدارس يوجد بها ما يقارب 300 طالب بين ضمان اجتماعي ودخل محدود، وبالتالي فإنّ توزيع قسائم التغذية اليومية يتطلب متابعة تكاد تكون طوال اليوم الدراسي من أعضاء اللجنة المشكلة من الهيئتين الإدارية والتدريسية بالمدرسة، هذا إلى جانب مسؤولياتهم الوظيفية الأخرى، فمع بداية اليوم الدراسي تبدأ اللجنة مشوار العمل اليومي الروتيني بالمرور على الفصول الدراسية لتوزيع القسائم على الطلبة، وحصر الغياب اليومي، ثم استرجاع القسائم مرة أخرى من المقصف المدرسي وإعادة ترتيبها حسب الصفوف، وتوثيق ذلك في كشوفات خاصة بشكل يومي لترفع إلى مديريات المحافظات ثم الوزارة.
فلو أنَّ مبلغ المعونة يتم إيداعه في الحساب البنكي لولي الأمر لخففنا العبء عن الكاهل المثقل لإدارات المدارس في هذا الأمر. أضف إلى ذلك وجود فرق في النواحي النفسية بين كون الطالب يأتي من البيت وفي جيبه مصروفه اليومي وبين طالب يستلم المعونة أمام الزملاء والعاملين بالمدرسة؛ فهذا الأمر يؤثر نفسيًا بشكل سلبي على النوع الأخير.
وحقيقة أخرى، أن المسؤول الذي رفع مرئيات الوزارة حول مصاريف المستلزمات المدرسية للطلبة؛ هل فعلًا يشتري لأبنائه مستلزمات المدرسة؟ وهل مبلغ 25 ريالًا يراها كافية لكل المستلزمات طوال العام الدراسي؟ ربما تكفي للحقيبة المدرسية ومحتوياتها من دفاتر وأقلام بأنواعها وآلة حاسبة وغيرها لفصل واحد فقط، فأين مستلزمات الفصل الثاني؟ أضف إلى ذلك أن الطالب يحتاج لملابس خاصة للمدرسة دشداشة وكمة وحذاء، وملابس رياضية، فهل مبلغ 25 ريالًا يكفي فعلًا لشراء كل هذه المستلزمات المدرسية طوال العام الدراسي؟ ماذا لو رفع هذا المبلغ للضعف على أقل تقدير لمساعدة الأسر من الفئات المذكورة التي تكاد تتدبر قوت يومها؟
وحقيقة أخرى، أن الذي حدد مبلغ 400 ريال ليكون معيارًا رئيسيًا لتحديد فئة ذوي الدخل المحدود ربما يعيش في كوكب آخر، فجلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- عندما أصدر أوامره السامية بصرف المعونة لطلبة المدارس أراد بذلك مساعدة المحتاجين وضعيفي المستوى المادي، فهل يعقل أن الذي راتبه 401 ريال غير محتاج؟ هل هذا الريال الزائد في راتبه ينقله من دائرة الفقر إلى دائرة الغنى؟ هل يعتقد هذا المسؤول أن الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها العالم في السنوات الأخيرة تؤثر فقط على الحكومات؟ هل المواطن بمنأى من تأثيراتها السلبية؟
أرى من وجهة نظري الشخصية أن أي شخص يقل راتبه عن 800 ريال هو من ذوي الدخل المحدود، ويحتاج لمد يد العون، ويحتاج إلى كل المساعدات المقدمة من مؤسسات الدولة.
وحقيقة أخرى تتجلى عندما تجد أنَّ ثلث طلبة المدرسة الواحدة من فئتي الضمان الاجتماعي والدخل المحدود، وهذا مؤشر يعطي انطباعًا سلبيًا عن المستوى المعيشي والمادي الذي أصبح عليه بعض أفراد المجتمع العماني في بلد يزخر بموارد وخيرات ومقومات كثيرة، ولكن ثلث المواطنين تجدهم يعيشون بمستوى مادي لا يرضي الطموحات، ومنهم من يأكل وجبة واحدة في اليوم..
ومن هنا يجب أن نضع أهدافا وخططا واضحة ومرئيات وقرارات وتشريعات وتصورات ثم العمل ليل نهار من أجل معالجة هذا الأمر الذي يخالف تطلعات المواطن العماني في أن يحيا عيشة كريمة.