مطالبات بتشديد الرقابة وسن التشريعات وتوفير البدائل

الأكياس البلاستيكية خطر يتربّص بالأرض.. ومتخصصون يضعون حلولا لإنقاذ البيئة

الرؤية- سارة العبرية

يؤكد عدد من المتخصصين أن الأكياس البلاستيكية تعد من أكبر ملوثات البيئة، لما لها من أضرار على جميع الكائنات الحية والتربة، مطالبين بضرورة تشديد الإجراءات الرقابية ووضع التشريعات التي تحد من تصنيعها بدون المواصفات المتفق عليها عالميا، وتوفير بدائل أخرى صديقة للبيئة.

وفي 18 سبتمبر الماضي، أصدرت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قرارا وزاريا بشأن حظر استيراد الأكياس البلاستيكية؛ بهدف الانتقال إلى المصانع الصديقة للبيئة في المستقبل، وتشجيع المصانع والصناعات الوطنية، ودعم زيادة مبيعات المصانع المحلية، ورفع نسب معدلات تصدير المصانع المحلية، وتقليل الاستيراد للأكياس البلاستيكية، وإنشاء صناعة البلاستيك التحويلية.

وسيسهم هذا القرار بشكل كبير في التقليل من التلوث البلاستيكي على البيئة المحلية، كما أن هيئة البيئة اطلعت على تجارب دول كثيرة قامت بتطبيق قرارات مماثلة في منع الأكياس البلاستيكية أحادية الاستهلاك.

الرقابة والالتزام بالقرارات

ويُؤكد نزار بن سالم العريمي مدير إدارة البيئة بمحافظة شمال الباطنة، وجود حراك رقابي على مختلف المواقع التجارية والأنشطة بالمحافظة، وذلك لمتابعة مدى التزام هذه المحلات بضرورة تداول واستخدام الأكياس البلاستيكية ذات الـ50 ميكرون من البلاستيك أحادي الاستخدام حسب قرار هيئة البيئة، بالإضافة إلى تنظيم حملات توعوية لمختلف الشرائح حول ضرورة التخلي عن البلاستيك واستخدام البدائل صديقة البيئة.

ويشير ماجد بن حمد الجابري، ناشط ومتطوع في الأنشطة البيئية، إلى عدم الالتزام الكامل من الأنشطة التجارية بشأن استخدام الأكياس البلاستيكية موضحا: "كان الالتزام لفترة مُعينة وعادت المحلات مرة أخرى لاستخدام الأكياس وبعضها أصبح يستخدم نوعاً آخر ولكنه أسرع في التحلل حسب علمنا".

ويوضح المهندس باسم بن بيربخش الزدجالي مدير دائرة التفتيش والرقابة والسلامة المهنية بـ"مدائن"، أن كثيرا من المحال التجارية تراجعت عن تطبيق قرار الحظر لعدم وجود الرقابة الكافية، مشددا على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه المخالفين.

مخاطر وأضرار

ويقول نزار العريمي إن مشكلة الأكياس البلاستيكية والتصدي لها تعد من أكبر التحديات في القرن الحالي، لما لها من ضرر كبير على جميع الكائنات فوق سطح الأرض، وأن خطورة البلاستيك تكمن في عدم تحلله لفترة طويلة قد تصل إلى مئات السنين، لافتاً إلى أنه يتم تصنيع البلاستيك من مشتقات بترولية تضر بالبيئة، كما يتسبب في انسداد القناة الهضمية لكثير من الحيوانات والمواشي مما يؤدي إلى موتها، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على الكائنات البحرية واختناقها بالمخلفات البلاستيكية.

ويتحدث باسم الزدجالي عن المخلفات البلاستيكية باعتبارها تمثل ضررا كبيرا للبيئة لأنها غير قابلة للتحلل، موضحًا أنه يتم يتم حفظ الأطعمة في الأكياس البلاستيكية مما يزيد من فرص الإصابة بالتشوهات الخلقية نتيحة وجود مواد كيميائية تتفاعل مع الغذاء، كما أنها تشكل خطرا على حياة الحيوانات والكائنات البحرية.

وأضاف الزدجالي أن أكياس البلاستيك لا تتحلل حيث يُقدر عدد الأكياس البلاستيكية المُستخدمة في العالم بحوالي 100 مليون لترليون كيس في السنة، وجزء ضئيل من هذه الكمية يُعاد تدويره، أما الباقي فيُترك في المكبات، ويحتاج كيس البلاستيك إلى ما يقارب 1000 عام ليتحلل وتُسبب هذه الفترة الطويلة إلى استمرار تصنيع الأكياس وتكدسها بكميات كبيرة تؤدي إلى تلوث البيئة.

ويرى الزدجالي أنَّ العوامل التي تساهم في توزيع النفايات البلاستيكية تختلف حسب أنواع وأحجام النفايات، منها: حركة الرياح حيث تتركز على النفايات خفيفة الوزن بصورة كبيرة وتعمل على نقلها في اتجاهات مختلفة حسب اتجاه الريح، أيضا التيارات البحرية حيث تقوم الأمواج بنقل النفايات البلاستيكية في مساحات شاسعة وتعمل على ترسيب بعض النفايات الثقيلة، إضافة إلى الكائنات الحية "الإنسان والحيوان".

من جهته، يصنّف الدكتور محمد بن علي آل مطير، باحث في إعادة تدوير المعادن الثقيلة بالملوثات الصلبة والسائلة في السعودية، المواد البلاستيكية الملوثة إلى ثلاث أنواع وهي اللدائن الدقيقة والمتوسطة والكبيرة، معتبرا أن مشكلة المواد البلاستيكية تكمن في استخدامها لمرة واحدة ثم رميها في المكبات أو بالأماكن العامة، كما أن معظمها لا يتحلل بيولوجيا وتبقى لعشرات السنين لتتراكم بشكل كبير.

ويؤكد أن المواد البلاستيكية لها تأثير سلبي على التربة في حال تراكمها، مما يفقد التربة خصوبتها ويقل نمو النباتات وتتناقص تدريجيا نسبة الغطاء النباتي، مضيفا: "لذلك نضطر في معالجة هذه المشكلة بالإكثار من الكائنات الحية الدقيقة لتسريع وتيرة تحلل البلاستيك، مما يزيد إلى إنتاج غاز الميثان المصنّف كأحد أهم العازات المسببة للاحتباس الحراري".

صناعة البلاستيك

ويُفيد المهندس باسم الزدجالي أنَّ الأكياس البلاستيكية تُصنع من مصادر الطاقة غير المتجددة؛ حيث إن المادة الأساسية المستخدمة في صنع أكياس البلاستيك هي "البولي إثيلين"، وهذه الأكياس تُصنع من النفط الخام أو الغاز الطبيعي اللذين يُعدان من مصادر الطاقة غير المتجددة، مما يعني أن تصنيع أكياس البلاستيك يؤدي إلى استهلاك هذه الطاقة، بالإضافة إلى أن طُرق تصنيعها تُسبب تلوثًا في البيئة.

ويذكر نزار العريمي أن كثرة التعامل مع البلاستيك يؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان، حسبما أشارت الكثير من الدراسات الطبية العالمية، بجانب ما يسببه من اختلال بيئي للموارد الطبيعية خاصة الموارد المائية، حيث تشير بعض الدراسات إلى موت 100 ألف حيوان سنويا بسبب البلاستيك.

من جهته، يذكر علي بن محاد المعشني، صاحب مصنع ألفا للبلاستيك بظفار، أنهم واجهوا صعوبة في تطبيق القرار، نظرا لعدم جاهزية السوق العماني "المستهلك والتاجر" لاستخدام البدائل، بالإضافة إلى أن القرار لم يتضمن تفاصيل فنية حول المتاح استخدامه، مضيفا أن أصحاب المصانع تكبدوا خسائر مادية كبيرة لعدم جاهزيتهم وارتفاع كلفة البدائل وعد قدرة المستهلك على تحملها.

ويضيف أنه تم الاتفاق بين الجهات الحكومية والمصانع على زيادة سماكة الأكياس بحيث لا تقل عن 50 ميكرون للحد من تطايرها؛ لافتا إلى أن بعض محلات التجزئة استغلت قرار الحظر لتبيع الأكياس البديلة بسعر مرتفع.

الحلول المتاحة

ويشدد المعشني على ضرورة توعية المجتمع بخطورة النفايات المختلفة ومنها البلاستيك، مشيرا إلى أن هناك مخلفات ونفايات خطيرة على الإنسان والبيئة مثل: المخلفات الكيميائية مثل مبيدات والأجهزة الإلكترونية والبطاريات وغيرهم. ويؤكد أهمية إلزام محلات التجزئة بطباعة شعارهم والعنوان على الأكياس التي تحدد الجهات المختصة ومواصفاتها حتى يتم معرفة مصدر الكيس، وتوفير سلال مجانية للمستهلك وتشجيع المجتمع على الاحتفاظ بالأكياس لبيعها لشركات ومصارف التدوير.

وينصح نزار العريمي بالتقليل من استخدام الأكياس البلاستيكية، والاتجاه إلى البدائل مثل: الأكياس القماشية التي يمكن استخدامها أكثر من مرة خاصة في عملية التسوق، كما يمكن استخدام الأكياس الورقية كبدائل صحية لبعض المأكولات بدلا من البلاستيك، مضيفا أن التوعية الذاتية للأفراد بضرورة تجنب التعامل مع أي منتج بلاستيكي والاتجاه للمواد صديقة البيئة، ووضع التشريعات والقوانين التي تضمن الانتقال الصحيح في التعامل والحد من البلاستيك تستاهم في مواجهة هذه المشكلة.

من جانبه، يعتقد راشد بن خميس الفراجي الرئيس التنفيذي لمصنع الأفق للمواد البلاستيكية، استحالة الاستغناء عن استخدام الأكياس البلاستيكية ومنتجات البلاستيك؛ لأنه يعتبر الحل العملي الوحيد والأقل تكلفة في التصنيع، لافتا إلى أن إعادة التدوير مثل الأكياس الورقية كبديل يؤدي إلى مشاكل بيئية منها التصحر وقلة الأكسجين وارتفاع درجة حرارة الأرض، وأنه يجب الدراسة والتأني في إعادة تدويرها واتخاذ القرار السليم.

ويفيد الدكتور محمد آل مطير أن حجم النفايات البلاستيكية التي ينتهي بها المطاف إلى أعماق المحيطات تقدر بنحو 14 مليون طن، لذلك لابد من إيجاد حلول إبداعية منها استخدام نوع خاص من الفطريات لديه القدرة على تحليل وتفكيك المادة المكونة للبلاستيك وهي مادة "البولي يوريثان"، وتنظيف المحيطات باستخدام عوامات ضخمة تعمل على تجميع المخلفات، وإعادة استخدام البلاستيك لتكوين طرق معبّدة باستخدام الكميات الضخمة من خلال ضغطها بحيث تشكل قطعا مضغوطة تتحمل ضغط السيارت والدراجات، بالإضافة إلى استبدال صناعة البلاستيك بمواد أخرى قابلة للتحلل كالطحالب البحرية في تصنيع عبوات وأغلفة المواد الغذائية.

ويطالب ماجد الجابري بمنع استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وإيجاد بدائل غير مضرة بيئياً، وإلزام شركات ومصانع البلاستيك بنسب معينه سنويا في الإنتاج مع توفير كل شركة أو مصنع قسم لإعادة استخدام وتدوير البلاستيك، وتوعيتهم بدعم البيئة والأعمال والأنشطة المتعلقة بها.

ويقترح المهندس باسم الزدجالي تعزيز مبدأ إعادة استخدام وتدوير البلاستيك، وإدخال النفايات البلاستيكية في الصناعات، والاستثمار في مجال الإبداعات الشبابية للتعامل مع النفايات البلاستيكية، واستبدال المواد المستخدمة في صناعة البلاستيك لتكون صديقة للبيئة، ودعم زيادة مبيعات المصانع المحلية، وتقليل الاستيراد للاكياس البلاستيكية، وإنشاء صناعة البلاستيك التحويلية.

تعليق عبر الفيس بوك