لستَ مِثلَهُم

هند الحمدانية

في أحدِ أروقةِ الحياة، رأيتَ صديقاً قديماً لك، ابتسمتَ له وانفرجت أساريره لك فأقبَلتَ عليه بكل عفوية وود، ثم مددتَ يدكَ اليمنى نحو يده ورَبَتَ بيدك اليسرى على كتفه، قائلاً: أهلاً بك يا صديقي العزيز، فَسَحَبَ يدهُ منك مُكشراً غاضباً، وخطى خطوات سريعة منسحباً إلى الخلف وكأنكَ أزعجتهُ وآلمته، فتفاجأتَ أنت: لماذا تُعاملني هكذا؟ لما أنت غاضب مني؟ هل سببت لك الأذى من دون أن أشعر؟!

تساءلتَ مطولاً بينك وبين نفسك عن سبب هذا التغير، وأصابك الأرق لأنك لم تقصد إلا السلام والخير، في هذا المقال نجيب لك على هذا التساؤل، الذي يتكرر في كثير من مواقف الحياة ومع العديد من الأشخاص على اختلاف أجناسهم ومستوياتهم ووعيهم، قد تتحدث امرأة بكل رضا وفي وسط مجموعة من النساء عن زوجها الرائع والمُكافح الذي يعمل ليل نهار ليُوفر لقمة العيش الكريمة لهم، فتغضب منها امرأة أخرى فجأة وتقول بكل سخط: هؤلاء الرجال ليس منهم فائدة ولا رجاء وإنهم يتصنعون كل ما يُقدمونه لعوائلهم وإنها لا تصدق أي شيء يصدر عن أي رجل، استغربت المرأة الأولى لماذا غضبت تلك المرأة وبدأت بالصراخ والعويل، فانسحبت من الحوار معها بكل هدوء.

والإجابة على هذا التساؤل هي: الألم، هؤلاء الأشخاص الساخطين والغاضبين هم أشخاص يشعرون بالألم، ويحملون الكثير من الندوب في دواخلهم، ويخفون طعنات قديمة لسكين حادة بين جوارحهم وعلى أكتافهم وداخل صدورهم، وبمجرد أن تقترب أنت من ذلك الجرح المدفون أو أن تضغط عليه يجن جنونهم فيتألمون بصمت ويعكسون آلامهم على شكل ردود أفعالٍ غاضبة وحادة ينفثونها بوجهك من دون تبرير ... فتتساءل أنت: ماذا حدث؟!

صاحبك الذي مددت يديك لمُصافحته ورَبَتَ على كتفه كان مجروحا في باطن يده وعلى كتفه فأوجَعتهُ أنت بمصافحتك إياه، لذلك انسحب منك غاضباً متألماً، وهذا وصفٌ بليغ للآلام النفسية التي يخزنها البعض والمشاعر المؤلمة التي أحدثت جرحاً بليغاً في دواخلهم ولم يملكوا القدرة أو ربما الرغبة على مواجهة الألم والمشاعر السلبية والتصالح معها، فحولوها لجبلٍ جليديٍ بارد تعجز السفن عن تبين غطاءه الجليدي الممتد في ليالي الضباب الكثيف.

المجروحون هم أكثر النَّاس قابلية لجرح الآخرين، الذي يتألم يحاول إيلام الآخرين ليُخفف عن نفسه، كغريق يُقاوم الأمواج المتلاحقة التي تجذبه نحو القاع وتأتي أنت كمسعفٍ تمد يديك بحبال النجاة والمساعدة فيُحاول أن يجذبك معه ويسحبك بشدة نحو الماء يريد إغراقك معه.

كيف تتعاطى مع هذه المواقف الحياتية التي تكاد أن تكون روتينية، كيف تدير الأحداث كي لا تتأذى أنت بطاقة هذه النماذج السلبية من البشر، كيف تحمي نفسك، وكيف تحمي داخلك من آلامهم التي تحاول أن تجتاح حدودك، الحل دائما يكمن في المساحة، المساحة التي تستطيع أنت أن تكون صاحب القرار فيها  وأقصد بها دائرة تأثيرك والاستجابة التي تصدر منك كردة فعل في أي موقف، لا تملك القدرة على التحكم بأفعال الآخرين ولكنك تملك القرار والإرادة المطلقة في إدارة ردة الفعل تجاه المواقف، لا شيء يمكن أن يؤذيك أو يؤلمك إذا لم تسمح بذلك، فليقدم الآخرون ما يشاؤون من الأفعال ولأقدم أنا ردود أفعال الحب والسلام والعفو لنفسي وللعالم كله، كما قال تعالى: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ"، وقال عزَّ وجلَّ "لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ".

تعليق عبر الفيس بوك