الشريف محمد بن علي

 

زين بن حسين الحداد

يُعد تقليب صفحات التاريخ والغوص فيها والبحث عن كنوزها من أهم مصادر التعلم والمعرفة ولأخذ العبر والتعرف على الشخصيات المُهمة والأحداث الكبيرة بشكلها الحقيقي. وقد امتلأ القرآن بقصص الصالحين والعابثين فمنها لتثبيت الفؤاد ومنها للعظة والعبرة ومنها تكريمًا لحسن صنيع أفعال أصحابها وتخليدا لذكراهم.

ولكل أمةٍ ناسٌ اعتلوا القمة، وساروا بكل عزيمة وهمة، ونشروا العلم بالقلم والكلمة، وتاريخنا العريق لا يخلو من الشخصيات المُهمة والعظيمة التي كان لها الباع الطويل في خدمة دينهم ومجتمعاتهم وأوطانهم، أما واجبنا تجاههم فهو تتبع تاريخهم العريق وإبرازه للناس للاقتداء بهم، فبأخبارهم تنتشر الفضيلة وتشتد العزائم والهمم. قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: "الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إليَّ من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم، وقال تعالى: "أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ" (الأنعام: 90)، وقوله سبحانه "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ" (يوسف: 111).

وبعد حضورنا ندوة "من أعلامنا" بتنظيم النادي الثقافي والتي تحدثت عن علم الأعلام، حفيد خير الأنام، الشريف الإمام محمد بن علي، المُلقب بـ"صاحب مرباط"، والذي كان له الدور البارز سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا ودينيًا في جنوب شبه الجزيرة العربية خلال القرن السادس الهجري. وما ميَّز الندوة تنوع المحاضرين فيها؛ فمنهم من جاء من محافظات مختلفة ومنهم من دول مجاورة ومن أفريقيا وتركيا، متكبدين عناء السفر رغبةً منهم في إحياء ذكر تاريخ الإمام الذي ترك الأثر النافع من العلم المنقول إلى تلاميذه، وكذلك المتوارث عن أحفاده وذريته التي انشترت في أصقاع العالم، وأثرت وأسهمت بشكل واضح على المجتمعات العربية والإسلامية في أوطانهم أو في شرق آسيا وأفريقا خلال 9 قرون. وفي مدح الشريف محمد بن علي يقول الإمام الحداد في بيت شعري "وصاحب مرباط إمام جامع // تفرع منه أصل كل إمام".

الأمانة العلمية كانت سمة الندوة بلا إفراط أو تفريط بعيدًا عن تمجيد الشخصية بما لا تستحقه أو الانتقاص منها، فكان المتداول لدى محبي الإمام أنه هو من أدخل الفقه الشافعي إلى المنطقة بينما المخالفون ينسبونه إلى الإمام القلعي ليس حبًا فيه وإنما لمآرب أخرى، والحقيقة التي خرجت بها الندوة أن الإمامين كان لهما الدور البارز في نشر العلم والفقه الشافعي وهي نظرة وسطية مُعتدلة، أما أول من أدخل الفقه الشافعي فالأقرب أنه ينسب إلى من سبقهم في الاشتغال بالعلم الشرعي بالمنطقة في ذلك الوقت، وهي نقطة من عشرات النقاط التي تداولها الأساتذة الباحثون ولاتكفي مقالتنا لنقلها.

ولا يخفى على الجميع أنَّ الشخصيات القديمة قد تقل المنقولات عنها لسبب ضعف التدوين في المنطقة وفقدان العديد منها عبر العصور المتعاقبة وتم الاكتفاء بالنقل من المصادر الأقدم والأكثر قربا من عصره التي ذكرت الإمام ودوره الكبير في حل النزاعات وتأمين الناس والتجارة ونشر العلم الشرعي.

توصيات عديدة خرجت بها الندوة، وكذلك قرارات أهمها إعلان فتح مكتب للنادي الثقافي بمحافظة ظفار، الندوة لم تكن الأولى وليست الأخيرة وهي تتناول شخصيات عديدة بارزة فشكرًا للنادي الثقافي ولراعي المناسبة يوسف بن علوي، وشكرًا لوزارة الثقافة والرياضة والشباب على حرصها واهتمامها بأعلام عمان في ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه-.

تعليق عبر الفيس بوك