بين أروقة أقسام الطوارئ

 

د. حارث بن عبدالله الحارثي

 

فخور بعملي في المستشفى السلطاني، وفخور بانتمائي لأسرته الكبيرة التي تضم آلافًا من الرجال والنساء، العمانيين والأجانب، والذين تجمعهم رؤية ورسالة وهدف واحد، وهو مصلحة المريض والمجتمع. أنطلق من منزلي كل صباح كما ينطلق إخوتي وأخواتي في أسرة المستشفى، ونحن مُوقنين بأنَّ عملنا في تقديم الرعاية الصحية هو واجب مُقدس أقسمنا على أدائه مهما كانت الظروف ومهما كانت التحديات.

لا توجد هناك محبة أكبر من محبتنا لأطفالنا، ولا توجد غريزة أقوى من غريزة البقاء، وتركنا جميعاً كل ذلك خلفنا ونحن نتوجه إلى مراكز عملنا مُشكلين خط الدفاع الأول عن عمان. امتدت الأسابيع إلى أشهر، والأشهر إلى سنوات، ونحن مرابطين في حماية ثغور الوطن الذي تجري محبته في عروقنا. عندما كنَّا نقوم بعملنا في الدفاع عن عمان يا أعزائي، كنا نقوم بذلك من دافع "محبتنا لأبنائنا" وبغريزة "البقاء لأنفسنا"، فنحن "جزء من المجتمع" الذي نخدمه وهم جزء منا، وكل ما نقوم به في المستشفى هو شخصي جدًا ويصب في صميم مصلحتنا.

نحزن عندما يتألم بعض إخوتنا، ونبكي مع أسرهم لفقدهم، عندما يكتب أحد إلينا معبرا عن عدم رضائه عن خدماتنا، ويقترح علينا تغيير أمر ما، نأخذ اقتراحه على محمل الجد ونُحاول جاهدين موازنة متطلباته مع متطلبات العمل ومتطلبات المجتمع. قد نتمكن من تنفيذ مقترحه كاملا أو بعضه، وقد لا نستطيع تنفيذ المقترحات لأسباب تتعلق بسلامة المرضى، أو تماشياً مع النظم والقوانين السارية، أو التزاما باللوائح والبروتكولات العالمية. قد لا نتمكن من تحقيق مطالب كل مريض يأتي لزيارة أقسامنا لأسباب تتعلق بحقوق المرضى الآخرين، نعم قد يتسبب ذلك في غضب واستنكار البعض، ولكن نحاول جاهدين التواصل والشرح والإقناع بكل السبل والوسائل.

عندما يكتب البعض وينشرون مقالات تختزل تجربتهم معنا في جزئيات الضيق أو الألم فقط، نتساءل بيننا وبين أنفسنا، أو بيننا وبين بعضنا البعض، "مع كل ما نقوم به من عمل حسن وخير، ومع حسن نوايانا وتوافق مصالحنا، لماذا يتحدث أحد عنَّا بهذه الطريقة، ولا يمد يد العون لنا؟". نحن جميعًا في مركب واحد ولا يجب أن يشعر أحد بأنه "مُكتف اليدين" عن المساهمة في تطوير الخدمات التي تنفعنا جميعًا. هناك واجب علينا جميعا تجاه "إظهار الوجه الحسن" لكل ما يقوم به الآخرون تجاهنا، لأنه "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" هو من هدي حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام.

نحن العاملين في أقسام الطوارئ لسنا أعداء أحد، نحن لسنا في "ساحة حرب" بضحايا وأشلاء متناثرة، ولسنا في مكان كئيب موحش يحيط به البؤس ويعشش فيه الظلم والاضطهاد والقسوة كما حاول أحدهم تصويرنا في مقال مؤخرا، أقسامنا مليئة بـ"القصص السعيدة" التي تحدث طوال ساعات النهار وساعات الليل، وفي كل يوم من أيام السنة، ونواصل سعينا لتقديم الأفضل لمرضانا ولأسرنا ولمجتمعنا. علينا أمانة العدل معهم جميعاً ولا نقبل قيام أحد -حتى لو كان طبيبا- بمحاولة التوسط لأسرته أو القفز على النظام الذي يسري على الجميع.

نحن العاملين في أقسام الطوارئ، خط الدفاع الأول ونحن جزء من المجتمع وسنستمر في معاملة جميع إخوتنا وأخواتنا بكل الاحترام.

تعليق عبر الفيس بوك