"خريف التباعد" بلا طعم

 

زين بن حسين الحداد

 

تتمسك المُجتمعات بالعادات الموروثة عن الآباء؛ فمنها الجيِّد ومنها السيئ، أما الجيد فيجب أن يتمسك به الجميع وهو المكون الأساسي لشكل المجتمع وهويته وثقافته، بينما السيئ أو الضار فله علاجان، إما التحسين والتطوير لتلافي السلبيات، أو البتر إن لم يكن له علاج.

ومنذ سنين طويلة اعتاد سكان ولاية صلالة في موسم الخريف على التخييم في السهول، فكانت العادة أن يجتمع الأهالي رجالهم ونساؤهم كبارهم وصغارهم في المُخيمات المؤقتة، فيحدث الترابط والصلة بين العائلات والأقارب، وينشغل الجميع كلٌ بهواياته، الكبار يطبخون ويقصون القصص والأخبار، والصغار يلعبون بعيدًا عن الخرسانات الأسمنتية وشاشات الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعية الضارة. وبسبب جائحة كورونا تم إيقاف تصاريح التخييم طلبًا للتباعد الجسدي، لكن استمر القرار على ماهو عليه بالرغم من انتهاء الجائحة، علمًا بأنَّ هذه العادة لها إيجابياتها وسلبياتها. أما إيجابيات هذه العادة فتتمثل في تقليل الزحام في الأماكن السياحية والطرق وترك المجال للسائح ليستمتع بالجبال والمرافق الخدمية صباحًا ومساءً.

الجانب المادي للفرد كان له نصيب من ضرر المنع، فمن كان يأخذ عائلته إلى المخيم أصبح مجبورًا على إيجاد بدائل أكثر كلفة؛ كالتواجد في الأسواق التجارية باستمرار، وهذا ما لا يقدر عليه الفرد خلال 3 أشهر، على عكس السائح الذي يمكث عادة أسبوع في المتوسط، ولن يضره التواجد في المراكز التجارية والحدائق وهو في رحلة مؤقتة. وقامت بعض العائلات المقتدرة باستئجار الاستراحات الكبيرة المكلِّفة، والتي لن تقوم أبدًا مقام جمالية أجواء المخيمات، بالرغم من رقيها ونظافتها وتوفر الخدمات فيها، إلّا أنّ أسعارها وصلت لمستويات فلكية وهو ما لا يقدر عليه المواطن البسيط. كبار السن كانوا أكثر المتضررين نفسيًا ومعنويًا بعد قطع ما كانوا يعتادون عليه من اجتماعهم بأقرانهم في المخيمات، ولا يمكنهم الجلوس في الأماكن المكشوفة تحت المطر، كما أنهم ليسوا من مُحبي المكوث في المراكز التجارية.

لن أغفل سلبيات المخيمات والتي تتمثل في بناء بعض المخيمات بشكل مبالغ فيه يضر الغطاء النباتي أو إعطاء التصريح بلا تقنين أو شروط، فتخرج من دائرة العائلات إلى الشباب وتم استخدام بعض هذه المواقع بما ينافي الأخلاق والعادات الحميدة. كذلك من الأسباب التي أسمعها من القائمين على المنع هي عشوائية الألوان وأشكال المخيمات، وحل هذا الأمر لا يأتي بالمنع وإنما بتنظيم ووضع قوانين شكل المخيم وألوانه.

المخيمات العائلية في موسم الخريف لدى سكان مدينة صلالة هي موروث مجتمعي ولا بُد من احترام خصوصية المجتمعات، ولا مانع من تعديل وتنظيم قوانينها، وليس منعها بالكامل، وأن تعود العادة لأصلها، بعيدًا عن مخيمات الشركات والمسؤولين والشباب وغيرها من المخيمات الدخيلة مؤخرًا والتي كانت سببًا في كثرتها. وعلى أصحاب القرار أن يراجعوا دراسة هذا الأمر.

فهل أصبح موسم الخريف موسماً غير مرحب به لأهل صلالة القابعين خلف جدران المنازل هربًا من زحمة الطرقات وغلاء الأسواق وزخات الرذاذ؟

تعليق عبر الفيس بوك