من أي زاوية؟

 

أحمد بن موسى البلوشي

 

المعرفة، وفهم الأمور من أهم الأشياء التي يجب أن نتحلى ونتميز بها، ومن أسوأ وأغرب الصفات التي يتحلى بها البعض هو إصدار الأحكام على الأشياء، والأشد غرابة من ذلك رغبتهم في تصدير هذه الأحكام للآخرين،  وليس عيبًا ولا خطأً أن تُصدر أحكامك، ولكن لا تحاول الحكم على الأشياء من مظهرها فقط دون الإلمام بالتفاصيل والكثير من المعلومات.

البعض منِّا يحاول دائمًا أن يحكم على الآخرين أو على المواقف أو الأفعال أو التصرفات أو المشاريع وغيرها من الزاوية التي يحددها وتعجبه فقط، ولا ينظر إلى الموقف من كل الجوانب والزوايا، فمثلًا إذا أُعجب شخص ما بكلام أحدهم أو بتصرفه فإنه يقوم بالثناء والشكر والمدح له دون أن يعرف من هذا الشخص وماهيته، وما هو فكره؛ فقط لأن كلام هذا الشخص يتناسب معه ومع عقليته، وربما يكون الكلام سلبيا وغير منطقي ومحبط ومجحف في حق شيء ما، وإن لم يعجبه مثلًا المشروع الفلاني فإنِّه يقوم بنقده وتشويهه ويحكم عليه بالفشل وسوء التخطيط، لأنه يراه من وجهة نظره مشروعا غير مجدٍ، ولا يتناسب مع تطلعاته وطموحاته، وهو في نفس الوقت لا تتوفر لديه معلومات وحقائق عن هذا المشروع، أو ربما سمع أحدهم يتكلم عنه بالسوء.

والأمثلة كثيرة في هذا السياق، فالحكم على الأشياء دون تجربة ومعرفة أصبح عند البعض مرتبطاً بميوله وهواه، بمعنى أني أحكم على أي شيء بالنجاح إذا توافق معي ومع فكري والعكس صحيح. لذا يقول أوسكار وايلد: "السطحيون وحدهم هم من يحكمون على النَّاس من مظهرهم الخارجي"، والسطحيون ليسوا فقط من يحكمون على الناس من مظهرهم الخارجي بل هم من يحكمون على أي شيء دون معرفة وعلم وتجربة.

يقول أحدهم "العطر الفلاني جميل ورائحته رائعة"، وعندما سُئِل كيف عرفت ذلك، قال: "شاهدت أحد المشاهير يُعلن ويروج له"!! أيعقل وصلنا لهذه الدرجة في الحكم على الأشياء؟! هل هذا المشهور يمثلك أنت ويسلب تفكيرك وعقلك؟، أم أن إصدار الأحكام أصبح بهذه السهولة؟، أصبح بدون تفكير ومنطق وحكمة، من كانت إجابته بنعم فكن على يقين بأن صاحبها سطحي التفكير؛ لذلك يُعرف البعض الأحكام بأنها "آراء في أغلب الأحيان تُكوَّن استناداً إلى تجارب محدودة، أو إلى الإشاعات أحيانا، وفي الكثير من الأحيان لا تستند إلى وقائع، بل والأسوأ أنها تستند إلى التعصب والخوف والمزاج والتخيل".

 

وأخيرًا.. يمكننا القول إنَّ من أسهل الأمور لدى الإنسان، إصدار الأحكام دون أن يدرك ذلك، وإصدار الأحكام يعني أنك تعلم كل شيء وتعلم ما يدور بفكر وعقل الآخرين، وتعرف تفاصيل الأشياء التي تصدر الحكم عليها؛ لذلك ليس الخوف من إصدار الأحكام فقط بقدر ما يكون الخوف من نوع الحكم الصادر، فالحكم السليم ينال إعجاب الكثيرين لأنه ناتج عن فكر وتجربة ومعرفة وحكمة.. لذلك كن دائمًا ذا حكمة ومعرفة في إصدارك للأحكام.

تعليق عبر الفيس بوك