ذكريات خلت لعام دراسي

 

علي بن حمد المسلمي

ali.1970@hotmail.com

 

يومٌ مشرقٌ وحياةٌ تتجدد وذكريات خوالٍ؛ كطيفٍ مرَّ في ومضات الخيال، يتذكرها الآباء ويستمتع بها الأبناء، تشبثت في عقولهم سنوات طوال ويسردونها لفلذات أكبادهم مع مطلع إشراقة عامٍ دراسيٍ جديدٍ..

تطوف بهم الذكريات عبرالزمن الجميل، سنوات خلت يتذكرون ماضيهم وهم على مقاعد الدراسة وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وعمود الخيمة المنصوب في وسطها والأوتاد حولها منصوبة تشد من أزرها كي لا تسقط على رؤوس قاطنيها أوعريش النخل المصنوع من سعفها أو تلقي العلم تحت ظلال الأشجار وفق المقولة الخالدة التي أطلقها السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- "سنُعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة".

قصصٌ تروى وحياة تنسج لكل واحد منهم قصة وحكاية يرويها الآباء للأبناء تظل في سجلات الزمن وذاكرته كيف كانت الحياة المدرسية وشظفها ومتعتها وبساطتها أيام زمان، كيف كانت مشقة الوصول إلى المدرسة منها وإليها سيرًا على الأقدام وركوب الأنعام كالحمير والجمال أو سيارات البيكب والرندروفر و"بو شنب".

مدارس بِلا أسوار، رحبة كرحابة صدور أصحابها، فصولها من الخيام وعروشها من سعف النخيل وظلالها الأشجار وضوؤها نور الشمس المتدلي عبر فتحات الخيمة يتسلل منها ضوء الشمس وهوائها، هبات نسيم رياح الشمال والشرق والكوس، يتوسطها طابور الصباح، مصفوفة على جوانبه بضع حجارات مطلية باللون الأبيض أو بدونه، َوسارية العلم تنتصب في المقدمة، تشرئب إليها الأعناق ويقرع الجرس اليدوي معلنًا يومًا دراسيا جديدا، يلتف الطلاب في وسطها في صفوف منتظمة وفق فصولهم الدراسية في ساحة الطابور، يؤدون بعض التمارين الرياضية بعفوية وتلقائية وينشدون السلام السلطاني ليؤدوا تحية العلم وفاء لوطنهم وقائد مسيرتهم، تحت إشراف معلميهم ثم ينصتون إلى برامج الإذاعة المدرسية التي تشدوا بها حناجر بعض الطلبة من أناشيد وأهازيج وطنية وعربية، تطرب لها الآذان ومسرحيات فكاهية وأمثال شعبية ذات مغاز وأهداف نبيلة ثم ينصرفون إلى فصولهم الدراسية في خطوات منتظمة والابتسامة البريئة تكسو محياهم، رغبة في تلقي العلم بأدب جم ووقادة فكر.

وما أن يُقرع جرس الحصة الأولى؛ حتى يتسابق بعض الطلبة زرافات ووحدانًا بعفوية وتلقائية لحمل الأدوات والحقيبة عن المعلم إجلالًا واحترامًا له، ثم يبادر المعلم بالتحية والسلام على طلبته ويبدأ مشوار الحصص الدراسية؛ بمناهج قطرية جميلة المحتوى؛ تحمل في طياتها أناشيد عروبية جميلة "بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدان" والتي يتخللها بعض حصص الأنشطة كالرياضة والفنون المهارية في الرسم والموسيقى والطلبة جلوس على مقاعدهم الخشبية المزدوجة ذات اللون البني والسبورة السوداء والخضراء المحمولة بعكازين، يبلحق الطلاب جهتها؛ عندما يكتب المعلم عنوان الدرس خوفًا من سقوطها على الأرض والطباشير البيضاء والملونة التي تصدر صفيرا كصفير البلبلي؛ نتيجة احتكاكها باللوح الخشبي، توقظ النعسان وتروي ظمأ العطشان، المتلهف للعلم والعصا الغليظة وتارة النحيفة يحملها المعلم لتحقيق مآرب أخرى "ولي فيها مآرب أخرى" وعندما يدق جرس الفسحة يذهب الطلاب إلى الجمعية لتناول وجبة الإفطار- الخبزة والجبنة- أو كسرة خبز حملها الطالب معه ليسد بها رمقه اصطحبها معه في حقيبته المدرسية ويحتسون عصير السنتوب الذي لا يزال احتساؤه حتى اليوم سائدًا.

وما أن ينتهي اليوم الدراسي وتأذن الحصة السادسة بالأفول؛ حتى يتسابق الطلاب للذهاب للمنزل وسيارات البيكب والرندروف والبيت فورت تنتظرهم والبعض الآخر ينطلق راجلًا أو مستقلًا دابة بعد يوم دراسي حافل وبراءات الطفولة تظهر على محياهم في فرح وحبور.

وما أن يدلف المساء ويأخذ المعلمون والطلبة قسطًا من الراحة في منازلهم، يمارس بعض الطلبة أصنافًا من الألعاب الشعبية كالثلاث والخشت والويوية والتوفة المحببة إليهم في قراهم وإن تصادف أن مر أحد المعلمين والطلبة يلعبون كانوا يهربون إلى منازلهم خوفا من العقاب في اليوم التالي.

وللقنديل أبو فتيلة وأبو سحة والشمعة في حوش البيت أو الصفة، رواية مع الطلبة يتجمهر الإخوة حوله بعد غروب الشمس، ينبطحون على بطونهم ويفترشون الأرض وقلم الرصاص يتدلى بين أناملهم لينثر الحروف في الدفتر والرجل اليمنى تتراقص معكوفة يمنة ويسرى كمصدر نور لهم للمذاكرة والحفظ وحل الواجب المنزلي وأحيانا للتدفئة من لسعات برد الشتاء القارصة.

إنها ذكريات جميلة تحمل في طياتها بساطة الحياة المدرسية آنذاك، مرّت كشريط سينمائي عابر يتذكره الآباء؛ ليوقدوا هِمَم أبنائهم وصفحة من صفحات الماضي السعيد.

تعليق عبر الفيس بوك