الخبرة العملية مهمة جدًا

 

حمود بن سيف السلماني **

خلق الله الإنسان وصوَّره في أحسن صورة، وعلمه ما لم يعلم، كما إن الإنسان وخلال مراحل كبره يتعلم من الحياة الأشياء الكثيرة، إضافة إلى اكتسابه الخبرات خلال تلك السنين، فمن يصل إلى سن المائة يملك من العلم والمعرفة أكثر من الذي في عمر الخمسين.. وعلى ضوء ذلك قامت العشائر والقبائل في المجتمعات السابقة بتقديم كبار السن في كل شيء، ويشاورنهم في نواحي الحياة اليومية، وكانوا لا يعصون لهم أمرًا أبدًا لعلمهم ومعرفتهم التامة بأنَّ الخبرة الحياتية لها الدور الكبير في تخطي العقبات.

وهذا هو الحال في الوظائف الحكومية أو الخاصة، لاسيما وأن الشركات أو القطاع الخاص يبحث عن الشخص ذي الخبرة الطويلة في العمل، وتنفق بعض الشركات المال الكثير لصاحب الخبرة من أجل أن تستفيد من تلك الخبرات الطويلة التي لديه لزيادة مدخول الشركة ونشر أفكاره الجديدة وتطويرها، من أجل توسيع نطاق الشركة على مستوى المدينة، أو المحافظة أو الدولة.

ونفتخر بتخرج طلاب العلم من المدارس أو الجامعات أو الكليات بدرجات عالية، واكتسابهم المعرفة العلمية الكفيلة بتسهيل أمورهم إلى سوق العمل، إلا أنَّ تلك الدرجات العالية تنقصها الخبرة العملية، فنجد أن الطالب يستعجل للحصول على العمل بتلك الشهادة، إلا أنه تنقصه الخبرة أو أن خبرته العملية قد تكون منعدمة أو غير موجودة أصلًا، بالتالي فنجد الكثير من الشركات وأصحاب التجارة يصرفون النظر عنه، بسبب قلت الخبرة العملية لديه.

وفي المقابل نجد تهافت وتسابق الشركات الخاصة على الأشخاص أصحاب الخبرة الكافية وتعرض عليهم الرواتب المجزية والحوافز المغرية، وذلك من أجل الحصول على خبراتهم في سوق العمل وتنمية الشركة وتوسيعها على أوسع نطاق.

وفي هذا السياق تحضرني قصة من القصص الرائعة؛ حيث ذُكر أن أحد المصانع توقف عن العمل بسبب تعطل إحدى الآلات المهمة والرئيسية به، وتم الاستعانة بالشركات والأشخاص إلا أن جميع جهودهم باءت بالفشل، فتم الاستعانة بشخص كبير في السن وصاحب خبرة كبيرة جدًا، فحضر لفحص الآلات، وبعدها أحضر مطرقته وضرب الآلة في مكان مُعين، وعملت بعد تلك الضربة، فعندما قام بتسليم الفاتورة إلى صاحب العمل صرخ في وجهه، أيعقل أن تكون الفاتورة 1000 ريال لضربة واحدة بالمطرقة فقط، فردَّ عليه الرجل العجوز أن قيمة الفاتورة هي من أجل معرفة مكان العطل الذي بالآلة.

ومن الغريب جدًا أن نجد بعض المتخرجين من كليات الطب يتسارعون للحصول على الوظيفة- وهذا حق مشروع للجميع- ولكن يجب عليهم اكتساب المعرفة والخبرة الكافية في العمل حتى يستطيع مباشرة عمله بكل حرية وثقة.

وأذكِّر هنا بوجود حادثة في إحدى العيادات الخاصة، بتوجه مريض للعلاج، وطُلب منه إجراء فحص بالأشعة لمعرفة أسباب المرض، فدفع من المال ما شاء أن يدفع، وبعد إجراء الأشعة المطلوبة وبالرجوع إلى الطبيب، عدد له الكثيرة من المشكلات والتي يجب أن يُعالجها، وصرف له الكثير من الأدوية، فدهش المريض من ذلك ودخل في قلبه الخوف من قول الطبيب، فتوجه إلى عيادة خاصة ولكن أقل حجمًا من الأولى، وبالدخول على الطبيب والذي يبلغ من العمر حوالي الستين سنة تقريبًا، سلمه التقارير الطبية وأخبره بكل ما حصل مع العيادة السابقة، فوضح له أنَّ التقارير لا يوجد بها أي شيء يدعو للقلق، وأوضح له أنه لا يعاني من أي شيء مما ذكر له، وإنما عليه فقط تغيير طريقة طعامه والتوقف عن أكل بعض الوجبات.

من خلال القصة نجد أن الخبرة العملية مهمة جدًا؛ حيث إنها تلخص كل ما تم تعلمه في المدارس والكليات وفي الكتب، فيجب على طالب العلم أن يمزج التعلم العلمي بالتعلم العملي حتى يكتسب الخبرة الكافية فيما تعلمه من علم، ولا يمكن التحجج بعدم تمكنه من الحصول على الخبرة إذا لم يعمل في إحدى الشركات، بمعنى لا يشترط عليه الحصول على وظيفة لاكتساب الخبرة، بل عليه الدخول كمتدرب في الشركات التي تناسب تخصصه العلمي لاكتساب الخبرة الكافية وتسجيلها في رصيده.

والخبرة العِلمية الممزوجة بالخبرة العمَلية تقلل الكثير من الأخطاء في العمل، وتجعل الموظف يجتهد في تجنب الأخطاء بصورة كبيرة جدًا، إضافة إلى معالجة الأخطاء بسهولة في حالة حدوثها، كل ذلك يوفر الجهد والوقت والمال، وهذا الذي تبحث عنه الشركات والكيانات المعنوية؛ لأنَّ الأخطاء الجسيمة تكلف الشركات الكثير من المال والجهد لمعالجة ذلك الخطأ، وأقرب مثال يمكن أن نذكره العمال والمهندسون في مجال المقاولات، حيث تبحث الشركة عن العمال الذين لديهم الخبرة الكافية حتى تسرع في إنجاز العمل، وعدم ارتكاب أي خطأ من شأنه أن يؤثر على سير العمل.

وفي الختام.. ننصح جميع المُقبلين على العمل، أن يكتسبوا الخبرات العملية، وذلك بالدخول في دورات تدريبية بشكل دائم، أو العمل في الشركات كمتدربين للحصول على الخبرة العملية والتي ستفيدهم في المستقبل العملي.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك