حطب شجرة الشوع

 

وليد بن سيف الزيدي

العديد من المصادر المحلية والإقليمية والدولية أخذت تولي الاهتمام والبحث في أسباب التغير المُناخي في العالم ونتائجه، منذ أوائل سبعينات القرن الماضي؛ أي ما يعادل نصف قرن من الآن، وخلصت هذه الدراسات إلى أنَّ الإنسان والأنشطة التي يقوم بها في مجالات الصناعة والزراعة والاستهلاك المفرط في استغلال موارد الأرض الطبيعية، والتي فرضها تقدم العلم والاكتشافات الحديثة، هي المسؤول الأول عن تلك التغيرات المُناخية العالمية.

هذه التغيرات تمثلت في الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والأعاصير وارتفاع في درجات حرارة الأرض وما صاحبه من ذوبان للكتل الجليدية وارتفاع في منسوب مستويات سطح البحر والتهديد بغرق العديد من الجزر في مختلف مناطق ودول العالم. ولم يكن وطننا العزيز عُمان بمعزل عن تلك التغيرات في المُناخ والتي شهدها البعض منا طيلة العقد الماضي. وقد ذكرتُ ذلك في جريدة الرؤية العُمانية في شهر أكتوبر من العام المنصرم تحت عنوان "كُلَّهُ خيْر" بعد ما تعرضنا للحالة المدارية "شاهين".

نعم.. هذا الحديث الذي قلته معروف لدينا وقد ذكرته العديد من المصادر، فما الإضافة أو الفكرة التي أريد إيصالها من هذا المقال الذي وضعته تحت عنوان "حطب شجرة الشوع"؟

الإضافة أو الفكرة التي أردتها أن تصل إليك- أيها القارئ العزيز- جاءت من حطب شجرة الشوع وهي من الأشجار المنتشرة في البيئة العُمانية والمتميزة بقدرتها على تحمل الجفاف، كما يُستفاد من زيتها في بعض الأحيان، وغالبًا ما تُستخدم في لف أجزاء اللحم أثناء وضعه في حفرة التنور لتضيف عليه مذاقًا طيبًا. كما يُعرف عن حطب شجرة الشوع بأنه ضعيف وسهل القطع أو الكسر مقارنة بأشجار الغاف أو السمر. ومن هنا جاءت فكرة ما كُتب في هذا المقال؛ وذلك إشارة إلى ضعف التزامات الموقف العالمي وعدم جديته في معالجة التغير المُناخي بعد اعتقاده أو ما تم التوصل إليه من خلال ما خلصت إليه بعض الدراسات العلمية على أن الإنسان هو المتسبب الأول لتلك التغيرات المُناخية. الأمر الذي دفع بالعديد من دول العالم إلى عقد المؤتمرات والاتفاقيات الدولية، وتخصيص بعض الجوائز البيئية، وتحديد يوم عرف باسم يوم الأرض العالمي، والذي كان الهدف منها التركيز على ضرورة الالتزام بالحد أو التقليل من أنشطة الإنسان الصناعية والزراعية طيلة نصف القرن الماضي. ويمكن البحث عن تلك المؤتمرات والاتفاقيات والجوائز البيئية من مصادر متعددة لمن أراد التعرف على تفاصيلها.

فهل كان الموقف العالمي ملتزم وجاد حول الحد أو التقليل من تلك الأنشطة البشرية من خلال تلك المؤتمرات والاتفاقيات الدولية طيلة نصف القرن الماضي أي بعد ظهور مصطلح التغير المُناخي؟ وإذا كان ملتزمًا بالحد والتقليل من تلك الأنشطة فلماذا حصلت وتحصل حتى اليوم العديد من ظواهر التغير المُناخي من الفيضانات والجفاف والحرائق وهم يعتقدون أن أنشطة الإنسان هي المتسبب؟ ألن تكون بذلك درجة التزام الموقف العالمي بما تمخض من تلك المؤتمرات والاتفاقيات من قرارات حول الحد من أنشطة الإنسان ضعيفة بضعف حطب شجرة الشوع؟

حسنًا.. هل لديك ما تستند عليه من قول حول ضعف التزامات الموقف العالمي فيما يتعلق بمعالجة التغير المُناخي؟

نعم.. ما أستند عليه هو استمرار حدوث ظواهر التغير المُناخي والتي كان آخرها في صيف هذا العام، والتي شهدها البعض منا أو قرأها من مصادر عدة مسموعة ومرئية ومقروءة عربية كانت أم أجنبية. ومن تلك الظواهر الطبيعية ظاهرة الجفاف التي أصابت محاصيل البن في البرازيل ومحاصيل الحبوب في الصين، وفي أوروبا تم الكشف عن بقايا عدد من السفن الحربية خلال الحرب العالمية الثانية بعد تراجع منسوب مياه الأنهار والبحيرات. وظاهرة الفيضانات في باكستان والهند واليمن، وظاهرة حرائق الغابات في الجزائر وإسبانيا.

وبعد هذا أتوقع أن هناك مَنْ أصبح يتفق معي بضعف القرارات الدولية حول معالجة التغير المُناخي؟

نعم.. فهل خلال الخمسين سنة القادمة من الآن سيشهد البعض منا تراجعًا في الأضرار الناتجة عن الظواهر المُناخية بعد أن بدأت بعض الدول في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والصديقة للبيئة ومنها وطننا العزيز عُمان، مقارنة بالخمسين سنة الماضية؟ وهل سيكون لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة دور في تراجع حدة هذه الظواهر المُناخية مقارنة بالوضع الراهن؟

هذا ما سوف تثبته السنوات القادمة حول صحة ما قيل منذ نصف قرن من الآن أو عدمه، على أن الإنسان وأنشطته الصناعية والزراعية وغيرها هي السبب في زيادة حدة  العديد من الظواهر المُناخية في العالم.

 فهل يمكن أن يكون هناك سبب آخر غير الإنسان وراء التغيرات المُناخية؟

 ستكون الإجابة عن هذا التساؤل بالشكل التالي:

ألا يمكن أن يكون ما حدث ويحدث من تقلبات مُناخية بين زمن وآخر في دول العالم هو أمر طبيعي، فتارة جفاف وحرائق وتارة أخرى أمطار وفيضانات؟ ألم تكن الجزيرة العربية في الزمن الماضي ذات وفرة في المياه والأراضي الزراعية؟ أليست هي اليوم نفسها التي يغلب على أجزاء واسعة منها المُناخ الصحراوي الجاف؟ ألم يخبرنا نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- على أن جزيرة العرب ستعود كما كانت ذات مراعٍ وأنهار؟

ألا يمكن أن يكون ارتكاب الذنوب والمعاصي والمجاهرة بها ومنها ما يروّج له البعض كالمثليّة هي سبب ثالث وراء ما يحدث في العالم من ظواهر مُناخية تفوق سيطرة الإنسان عليها؟ 

ثم لنبعد قليلًا عن الحديث حول التغير المُناخي في العالم وأسبابه؛ حتى نحصد ثمرة المكتوب هنا ثم نحاول أن نستفيد منه في التعامل مع أنفسنا والمحيط بنا. لنقول بعد ذلك لأنفسنا والآخرين أنه ليس من الجيد أن تكون القرارات المُتخذة ضد الأفراد أو الشعوب أو الدول من قِبل أطراف أخرى في جوانب الحياة المختلفة ضعيفة مثل ضعف حطب شجرة الشوع؛ وذلك لما يترتب على تلك القرارات الضعيفة من ضرر على النفس والحال والمال. ومثال ذلك ما اتخذ من قرار ضعيف مثل ضعف حطب شجرة الشوع في غزو العراق قبل عقدين من الآن بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وما ترتب على ذلك من أضرار جسيمة على العراق والعراقيين. ومثاله أيضًا ما اتخذ من قرار ضعيف مثل ضعف حطب شجرة الشوع في السماح بانطلاق شرارة الحرب التي تدور رحها منذ عدة أشهر بين روسيا وأوكرانيا لتطحن كل ما هو جميل من الآمال المنتظرة لدى العديد من الشعوب والدول قبل بداية الحرب. 

وعكس ذلك تمامًا ما يحصل في هذه الأيام في الوطن العزيز عُمان عندما جاءت التوجيهات السامية من لدن سلطان البلاد المفدى- حفظه الله- والتي تقتضي في رفع الضرر النفسي والمادي عن العديد من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب الدخل المحدود والأُسر المعسرة؛ لترسم بذلك السعادة في القلوب قبل الوجوه.

والله الموفق.

 

تعليق عبر الفيس بوك