الفقهاء الطائيون.. ثلة من الأولين صدقوا ما عاهدوا الله عليه (5)

 

ناصر أبو عون

nasser@alroya.net

في هذه الحلقة نستعرض كمشة يسيرة من سيرة ثمانية من الفقهاء الطائيين الذين غمرت تاريخهم طبقات الأحداث المتراكمة، وخبت ذكراهم في بطون المتون وأمهات الكتب، وتناقلت أخبارهم الأضابير والمحفوظات الخاصة ومكانز دار المخطوطات، ونُشرت صحائف آثارهم بين تضاعيف الموسوعات التأريخية المستحدثة، وقُصّت حكاياهم على شفاه المحققين ودارسي التاريخ من أهل الشرف والبيوتات القابضة على جمرة الحضارة العربية والإسلاميّة الزاهرة، وأصحاب المقتنيات المخطوطة، ومؤرخي الأرشيف العُمانيّ القديم من المتخصصين والهواة.

ولندرة المشهور والمأثور عن هذه الثلة من الأولين، ارتأينا أن تكون هذه المقالة مجمعاً لسيرة ثمانية من الفقهاء والمشايخ الطائيين، الذين أرّخت لذكرهم سطور منيرة- وإن كانت قليلة- وردت بين ثنايا صفحات من كتب مطبوعة وبعضها مازالت مخطوطة نذكر منها: (إتحاف الأعيان، والسلوى في تاريخ نزوى، والقصائد العمانية في الرحلة البارونية، ونهضة الأعيان والطووانة... إلخ).

ومنبت هؤلاء الثمانية وغيرهم من المئات ينحدرون من شجرة الجد الأكبر عامر بن خلف بن صالح الطيوانيّ، وقد ورد ذكره في نهاية مخطوط لكتاب "مختصر في اللغة"؛ ذيّله الناسخ بهذه الشهادة: (تمَّ كتاب المختصر في الله والحمد لله.... على يد.... سالم بن محمد بن عبد الله بن خلف بن سلمان بيده، وهو للشيخ الرضيّ العدل عامر بن خلف.. جمادى الأولى سنة أربعة وعشرين سنة ومائة سنة، وألف سنة للهجرة) كما نُسِخ له كتاب: (كفاية المتحفظ، ونهاية المتلفظ) لابن الأجدابيّ الطرابلسيّ؛ بتاريخ 16 من جمادى الأولى سنة 1124 هجرية.

وهذا صاحب كتاب "السلوى" يورد تأريخا للفقيه العلامة أحمد بن سليمان بن عبد الله بن علي الطيوانيّ العقريّ النزويّ؛ وهو من فقهاء القرن الحادي عشر الهجري، وكان والده من العلماء الكبار في دولة الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربيّ، وجاء ذكره في كتاب: "فواكه العلوم في طاعة الحي القيوم" للعلامة محمد بن عبد الله الخراسينيّ، كما أورد ذكره صاحب كتاب "إتحاف الأعيان في تأريخ بعض علماء عمان" من جزئه الثالث.

أما ثالث هذه المنارات الفقهية فهو العلامة سالم بن محمد بن عبد الله الطيوانيّ من مشايخ القرن الحادي عشر الهجريّ، وقد نُسِخَ له الجزء السابع والستين من كتاب "بيان الشرع" على يد سالم بن محمد بن عبد الله أمبو نبهان، وقد وردت له مسألة فقهية أثبتها الخراسيني في كتابه "فواكه العلوم"؛ وتلك المسألة من جواب الشيخ الفقيه العالم النزيه- رضي الله عنه- عبد الله بن جمعة بن عبيدان النزويّ إلى الأخ المحب الحبيب سالم بن محمد بن عبد الله الطيوانيّ العقريّ- رضي الله عنه- هذا نصّها: "وما تقول سيدي في المرأة إذا رأت مثل ما يرى الرجل في المنام من الاحتلام وغيره. أيلزمها الغسل أم لا؟ الجواب وبالله التوفيق: في ذلك اختلاف بين المسلمين، قال من قال: إن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل، وأنزلت الماء الدافق لزمها الغسل، وقال من قال: لا غسل عليها، والله أعلم.

وهذا رابعهم الشيخ عبد الله بن سليمان بن عبد الله بن سليمان بن عبد الله الطيوانيّ العقريّ النزويّ، وهو من مشايخ القرن الحادي عشر الهجريّ، وقد نُسِخ له كتابان هما: "جامع أبي قحطان"، في الرابع عشر من رمضان سنة تسع وثمانين سنة بعد الألف هجرية، و"الإيضاح في الأحكام" للقاضي أبي زكريا بن سعيد، بخط راشد بن عبد الله بن سعيد الفليتيّ في الخامس من جمادى الآخرة سنة 1091هجرية. وقد أوصى قبل وفاته بـ"آثار ماء من فلج الغنتق" في السابع عشر من شوال سنة ثلاث وتسعين وألف هجرية.

وفي هذه السلسلة الذكية من أعلام وفقهاء القبيلة الطائية يأتي الشيخ علي بن سعيد بن علي الطيواني، وهو من علماء القرن الحادي عشر الهجريّ، ومنسوخ له العيد من الآثار العلمية ومنها الجزء السادس والعشرين من "بيان الشرع" بخط سعيد بن عبد الله بن سالم العقريّ.

وجاء بعده في تلك السلسلة العطرة الشيخ الفقيه محمد بن مبارك بن سعيد الطيوانيّ العقريّ النزويّ وهو من مشايخ القرن الثاني عشر الهجريّ، ونُسخ له الجزء الرابع من كتاب "المصنّف" للفقيه العالم أبي بكر أحمد بن عبد الله بن موسى الكنديّ.

أمّا الشيخ الفقيه محمد بن عامر بن سعيد بن عامر الطيوانيّ، فقد أورد سيرته المؤرخ محمد بن عبد الله السالميّ في كتابه "نهضة الأعيان"، وهو معلّم الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، ومن جهابذة علماء سمائل الفيحاء، وكان فقيها وقاضيا بالمحكمة الشرعية بمسقط ومدرسا في مسجد الخور، وقد رزقه الله ثلاث بنات بعد وفاة ولده البكر من زوجته شيخة بنت أحمد بن حامد الطيوانية؛ هن: ثريا زوجة قاضي القضاة الشاعر عيسى بن صالح بن عامر الطيوانيّ، وزيّانة زوجة محمد بن صالح بن عامر الطيوانيّ، وشمساء زوجة الشيخ علي بن ناصر الطيوانيّ.

أما ثامن هؤلاء الفقهاء الجهابذة؛ فهو الشيخ علي بن ناصر بن عامر الطيوانيّ؛ وقد ذكرت شيئًا من سيرته صاحبة كتاب "الطووانة" (لا نعرف عنه الكثير سوى أنه وقف مع الإمامة ضد الإنجليز ونُفي إلى الهند عقابًا له على مواقفه، وقيل إنه عاد بعدها وعاش كإنسان عاديٍّ دون أثر يذكر).