الصحافة.. مستقبل مجهول

 

بدر الشعيلي

@bader_sk

أبدأ هذه المقالة في تسطير رأي قد يكون مختلفًا عن الساحة المعهودة في الوسط الإعلامي، ألا وهو مناقشة مستقبل الصحافة بشكل عام.

قبل البدء في طرح رأيي في هذا الموضوع، لابد من بسط رؤية نظرية تستدعي إعادة التفكير في الموضوع ذاته لكي نفهم سيرورة هذا الحدث الثقافي الذي ابتدأ منذ سنين طويلة لسد ثغرة الجهل في الشعوب.

كانت الصحافة في الدول الأوروبية تنقل الأحداث التي تجري حول الفرد، سواء كانت محلية أو أنها تمتد لتشمل الساحة الخارجية للبلاد. هذه الفلسفة التي ابتدأت بها الصحافة، كانت تشيع في وسط الناس لأن المجتمعات تحب أن تسمع وتعرف ما يدور حولها من أحداث.. ولكن مع مرور الزمن، بدأت وسائل الإعلام تتلاقح مع بعضها البعض، مستبدلة الحروف الكتابية بالصور المتنقلة عبر الشاشات، وبهذا غدت الوسيلة الإعلامية الأولى هي الصورة التي تنقل ما يدور حول العالم الصغير هذا.

أعتقد أن الشعوب بدت تعتاد على ما يسمى بالمرئيات السريعة، وهذه المرئيات تتوازى مع عصر التكنولوجيا السريع التي تضخمت في العالم المعاصر بصورة مهولة، ليس على مستوى المعرفة فقط؛ بل امتدت لكل المجالات ليظهر عندنا ما يسمى بـ"إعلام الوجبات السريعة".

كل شيء يبدو سريعًا، والإنسان يحاول أن يتواكب مع هذه السرعة التي تتسارع هي بحد ذاتها حتى إنه لم يعد هناك وقت يضيعه الإنسان، وإلا خرج من دائرة التسابق نحو الأفضل.

كل هذه التداعيات التي أظهرها هذا العصر تحتاج إلى مزيد تأمل في فحواها القيمية التي تنعكس على تطور الشعوب بأكملها، ونحتاج إلى أن نقف مليًا في سبيل تقييم هذا العالم المتسارع. نحتاج إلى أن نقف قليلا- ضد التسارع الذي يضج العالم به- لنرى ماذا حصدنا من هذا التطور الهائل؛ أي إننا محتاجون إلى التوقف قليلا "في مديح البطء"!

نقف هنا لنرى شيئين اثنين: الأول هو المصدر الذي تصدر عنه المعلومة، والآخر هو المتلقي الذي يستقبل هذا الكم الهائل من المعلومات المتسارعة، وعند فهم هذا التنظير عن كثب، ندرك أننا محتاجون إلى التعمق في دراسة المصدر بصورة مكثفة لأنه بات المصدر في عالمنا اليوم لدى الشباب غالبا هو الخبر السريع الذي يجدونه في وسائل التواصل الاجتماعي، ولهذا تنعدم عند الشباب في العصر الحالي أو كما يسميهم المفكرون الجيل Z ملكة التحليل العميق بسبب عدم تعرضهم للأخبار التي كانت الجرائد تبسطها في صفحاتها المختلفة.

انعدمت هذه الملكة فنتج عندنا ما يسمى بالتسطيح الدماغي، وهذا التسطيح انعكس على كثير من أمور الحياة، وأصبحت الأجيال شبه مغيبة الإدراك عن وعي قضايا الحياة ولا سيما القضايا الشخصية.

لا أريد التعمق في تحليل النشاط الدماغي ومدى تأثره بهذا التسطيح وحب السرعة لأن موضوعه يحتاج لبسط كتب متخصصة في مجالات علم الأعصاب، ولكن أكتفي بتسطير ما أفهمه من فلسفة نشاط الأدمغة– حسب قراءاتي المتواضعة- في هذا المجال، وما أريده من هذه المقالة هو رمي الفكرة في قارعة الثقافة لنعيد بناء أولوياتنا في هذه الحياة.

تحدثنا عن المصدر، وذكرنا المُخاطَب وهي الشعوب التي تأزمت مع هذه الهشاشة التي خلفتها الصورة والسرعة في العالم الحديث، ولهذا عند الرجوع لكتاب "الهشاشة النفسية" للدكتور إسماعيل عرفة، ندرك بعمق الآثار المترتبة عن هذه التداعيات التي أفرزتها السرعة.

في النهاية أقول إن الحل ليس في تلاشي الصحف التي تطرح أخبارًا مطولة وتحليلات عميقة واستطلاعات مهمة، ولكن الحل - حسبما أراه- هو إعادة النظر في سلوكنا الذي ترتب عليه قرار ترك الصحف على اختلاف أنواعها، أن نرى الطريق الذي يمكننا من خلاله إعادة الشعوب إلى مجد القراءة لنتخلص جميعًا مما يدعى بالهشاشة التي اكتسبناها بلا شعور من مخلفات العالم السريع.

قد تكون نظرتي هي لشاب يخرج لتوّه إلى العالم المترامي الأطراف، ولكن وجهات النظر يجب أن تطرح بطرق موضوعية لتتلاقح الأفكار بين مزيج الفتوّة وكهولة المشيب، في سبيل حصول ثورة معرفية هائلة في عالمنا الحديث.

تعليق عبر الفيس بوك