حماية المعلومات الشخصية للموظف

 

تماضر بنت هلال المسكرية **

 

من خلال تحليل بعض القضايا المدنية التي تنطوي على المراقبة بالفيديو في مكان العمل في السلطنة، ثبت أنَّ المحاكم قد اتخذت موقفًا يتسم بالتساهل تجاه إجراءات المُراقبة بالفيديو في مكان العمل، وأولت اهتمامًا أقل لحقوق المعلومات الشخصية للموظفين التي قد تتضرر من هذا الإجراء، مما أدى إلى انخفاض فعالية الإعفاء من التقاضي.

وإضافة إلى ذلك، واستنادًا إلى قواعد القانون الإداري، فإنَّ قواعد «الموافقة الضمنية» والمراقبة المفرطة لأرباب العمل تنتهك قواعد التعامل مع المعلومات الشخصية. في حين يُمكن أن تساعد الحماية الخاصة للمعلومات الشخصية للموظفين في الحفاظ على كرامة الموظفين، وتعزيز مصالح صاحب العمل، وإعادة تصحيح المواقف غير المواتية للموظفين في علاقات العمل. لحل هذه المشكلات وتحسين حماية المعلومات الشخصية للموظفين، تقترح هذه الورقة اقتراحين يستندان بالإشارة النقدية إلى الأحكام في قضايا مُماثلة خارج السلطنة على وجه التحديد، لتوضيح مبدأ التعامل مع المعلومات في مكان العمل، وتسليط الضوء على قاعدة معالجة المعلومات، والتي تأخذ مبدأ التناسب كمبدأ جوهري. بالإضافة إلى ذلك، يجب النظر في التقاضي بشأن المصلحة العامة كوسيلة لتحسين سبل الإنصاف لحقوق الموظفين، وبالتالي تحسين فعالية حماية المعلومات الشخصية للموظفين.

ومع تطور الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء، يتم باستمرار تكرار وتحديث تقنيات من قبيل المراقبة بالفيديو والتخزين والمعالجة. ويشير مصطلح المراقبة في مكان العمل إلى سلوك أصحاب العمل لجمع تحركات وبيانات الموظفين أو سلوكياتهم بطريقة مستهدفة من خلال الكاميرات وأجهزة الكمبيوتر والتتبع ووسائل أخرى أثناء ساعات العمل وفي مكان العمل. والجدير بالذكر أن درجة جمع المعلومات ومعالجة المراقبة الحالية في مكان العمل تعتبر أعلى بكثير من درجة المراقبة السابقة في مكان العمل، مما أدى إلى زيادة شفافية مكان العمل. بشكل عام، فمن ناحية، تعتبر المراقبة في مكان العمل وسيلة لإدارة ومراقبة حقوق أصحاب العمل، والتي يمكن أن تساعد في تحسين كفاءة العمل، وتحسين أساليب العمل، وتقليل المخاطر في مكان العمل. ومع ذلك، ومن ناحية أخرى، نلاحظ في الممارسة العملية لهذه المراقبة ما يسيء غالباً للموظف من قبل أرباب العمل. على سبيل المثال، إن إجراء تحقيقات تجارية وداخلية في مكان العمل. قد يتسبب في تقييد الحقوق والمصالح المشروعة للموظفين، ويهدد أمن معلوماتهم الشخصية.

قانون حماية المعلومات الشخصية

من المهم الإشارة إلى أنَّ إصدار قانون حماية المعلومات الشخصية بناء على المرسوم السلطاني رقم 6/ 2022 ساهم في صياغة الأطر العامة لنظام حماية المعلومات الشخصية مما ساعد في تحسين حماية المعلومات الشخصية. ومع ذلك، قد لا يكون قانون حماية المعلومات الشخصية قادرًا على توفير حماية شاملة للمعلومات الشخصية للموظفين، لأنه لا يتطرق لحماية المعلومات الشخصية الخاصة للموظفين. وعلى وجه التحديد، فإنَّ الوضع التبعي للموظفين والحق الإداري لأصحاب العمل، فضلاً عن زيادة عدم المساواة بين العمل ورأس المال، تجعل أمن المعلومات الشخصية للموظفين أكثر عرضة للضرر من قبل أصحاب العمل. ولذلك، فإنه يلزم توفير حماية خاصة، بالإضافة إلى المبادئ العامة لحماية المعلومات الشخصية، لتحقيق التوازن بين المصالح المشروعة لأصحاب العمل من جانب وأمن المعلومات الشخصية للموظفين من جانب آخر.

وتهدف هذه الورقة إلى تطوير مسار لتوفير حماية عملية وفعالة للمعلومات الشخصية للموظفين. على وجه التحديد، تحلل هذه الورقة أولاً تضرر الموظفين من المراقبة في مكان العمل وضرورة حماية معلوماتهم الشخصية. ثانيًا، تلخيص العديد من الأفكار المفيدة لتحسين حماية المعلومات الشخصية للعمال في السلطنة، وذلك من خلال نتاول وتحليل منطق أحكام المحاكم الأجنبية.

قيمة حماية المعلومات الشخصية للموظفين

من الناحية النظرية، تمثل القيمة العلاقة المقابلة بين احتياجات موضوع القيمة ورضا محل القيمة. فقيمة قانون العمل هي النتائج المرغوبة التي يمكن للقانون حمايتها وتعزيزها في بيئة العمل، مثل العدالة والأمن والحرية والمساواة وحقوق الإنسان والنظام والكفاءة والكرامة في مكان العمل. وهذه نتائج لابد من أن تؤطر على اعتبار أن الاختلاف في الوسائل أو حتى الغايات بين العمالة ورأس المال قد يُؤدي إلى مصالح متنافسة.

مشكلة حماية المعلومات الشخصية للموظف

  • عدم كفاية سبل الانتصاف القضائية:

من الأحكام الحالية في السلطنة، يمكن العثور على أن المعدل الفائز للموظفين مقيد بالحق الإداري لأصحاب العمل والخاصية التبعية للموظفين في علاقات العمل، وهو معدل منخفض، وبالتالي قد يكون من الصعب حماية حقوقهم ومصالحهم في المعلومات الشخصية بشكل فعال.

إضافة إلى ذلك، عندما يحمي الموظفون حقوقهم المشروعة، هناك مشاكل مثل انخفاض كفاءة التقاضي الفردي، وارتفاع تكاليف التقاضي، والمصالح غير المتطابقة، مما يؤدي إلى عدم الحماس لحماية الحقوق. وللتخفيف من ضغوط الدعاوى الفردية، يوفر قانون حماية المعلومات الشخصية في عمان مسارا جديدا لحماية المعلومات الشخصية، المتمثل في نظام «دعاوى المصلحة العامة». حيث يعد قانون حماية المعلومات الشخصية وسيلة انتصاف قضائية مبتكرة، ولكن عند تطبيقه في مجال منازعات العمل قد تظهر بعض العقبات تحول دون الاستفادة الفعالة من القانون. مثلا عدم وضوح سبب الإجراء, أو الموضوع غير المناسب للحق في اتخاذ أي إجراء. ولا تفضي هذه المسائل إلى توفير حماية دقيقة للمعلومات الشخصية في مجال العمل على النحو المطلوب في الإخطار المتعلق بتنفيذ قانون حماية المعلومات الشخصية وتعزيز العمل النيابي ذي المصلحة العامة في التقاضي بشأن حماية المعلومات الشخصية الصادر عن المرسوم السلطاني رقم 6/ 2022.

اقتراحات لتطوير مسارات حماية المعلومات الشخصية للموظف العماني

  • أخذ مبدأ التناسب باعتباره جوهر معالجة المعلومات في مكان العمل:

نشأ مبدأ التناسب من القانون الإداري بهدف صياغة حدود السلطة العامة للدولة، والغرض غير المباشر منه هو حماية حقوق المواطنين من التدخل المفرط في السلطة العامة للدولة. قبل إصدار لوائح محددة بشأن حماية المعلومات الشخصية للموظفين، من الضروري تطبيق مبدأ التناسب كمبدأ أساسي لحماية المعلومات الشخصية للموظفين وتقييد سلوك أصحاب العمل في معالجة المعلومات. الغرض من هذا الإجراء هو تنظيم السلوك غير المعقول لأصحاب العمل عند مراقبة الموظفين وإظهار حماية منصفة للموظفين.

مبدأ الحد من الغرض

مبدأ الحد من الغرض. ويعتبر مبدأ التناسب مشروعية الغرض أول موضوع للمراجعة ويتطلب أن يكون للمراقبة في مكان العمل غرض مشروع. هذا يعني أنَّ الغرض من المراقبة في مكان العمل يجب أن يكون محدودًا، مثل تنفيذ عقود العمل أو إجراء إدارة الموارد البشرية. وهنا إشارة مفيدة إلى التجربة البلجيكية في التعامل مع المراقبة في مكان العمل. حيث يجب على أصحاب العمل التفاوض مع الموظفين على قدم المساواة قبل تركيب أجهزة المراقبة، وبالتالي الحد من الغرض، على النحو الذي يضمن حماية صحة الموظف وسلامته، وحماية ممتلكات صاحب العمل، وآليات المراقبة.

مبدأ الملاءمة

مبدأ الملاءمة ويقتضي مبدأ الملاءمة أن تسهم الوسائل في تحقيق هذا الغرض. وعلى وجه التحديد، يجب أن تفضي المراقبة التي يقوم بها أرباب العمل في مكان العمل إلى تحقيق غرضهم الإداري. والواقع أن جوهر مبدأ الملاءمة يركز على الغرض، ولا يتطلب تحقيق الغرض الإداري بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تفسر المحاكم، في أحكام مختلف الولايات القضائية، بأنه من المسموح على أرباب العمل تركيب أجهزة مراقبة لمنع حدوث قضايا السرقة.

مبدأ الضرورة

مبدأ الضرورة، ويقتضي مبدأ الضرورة من رب العمل أن يختار الطريقة الأقل ضررا بحقوق ومصالح الموظفين من بين جميع أساليب المراقبة، التي يمكن أن تحقق نفس الغرض الإداري. يتزامن هذا مع «مبدأ الضرورة الأدنى » الذي اقترحته لجنة الخصوصية في المملكة المتحدة ومبدأ «تقليل البيانات» في اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR).  ففي قضية باربوليسكو ضد رومانيا، رأى القاضي أن المراقبة في مكان العمل مقبولة فقط إذا كانت هناك أسباب وجيهة للاشتباه في أن الموظفين ينتهكون السياسة وأن المراقبة أمر لا غنى عنه. من الواضح أن المراقبة غير المقيدة هي تجميع مفرط من المعلومات الشخصية للموظفين. ومن خلال هذا المبدأ، ستخضع المراقبة في مكان العمل لمراجعة قبل إجرائها، لتحديد أنه لا توجد طرق أخرى أقل ضررًا. بالإضافة إلى ذلك، يجب على صاحب العمل استخدام أقل تكنولوجيا أو وسائل المراقبة تدخلاً، مثل الحد من وقت ونطاق المراقبة، واستخدام معدات المراقبة التي تنتجها الشركات الموثوقة، واعتماد معدات المراقبة الصامتة. وهو ضمان أن يكون السلوك الذي يؤدى لغرض مشروع ضروريا.

ختامًا.. مع تحديث التكنولوجيا يتم توسيع نطاق وكثافة المراقبة في مكان العمل وتعزيزها باستمرار. جلبت المراقبة في كل مكان في محيط العمل تحديات وتهديدات كبيرة لأمن المعلومات الشخصية للموظفين. وقد أوجدت الحقوق الإدارية لأصحاب العمل، وإخضاع العاملين، عقبات كثيرة أمام العاملين لحماية مصالحهم المشروعة في المعلومات الشخصية.

والموظفون هم فئة ضخمة من المجتمع. وإن حماية معلوماتهم الشخصية تفضي إلى تجسيد القيمة القانونية للكرامة الشخصية والكفاءة والمساواة. ولذلك، فإن التشريع الحالي والوضع القضائي، يمكن  أن يلعب دورا أفضل في مجال العمل، وبالتالي تلبية احتياجات بناء علاقات عمل متناغمة ومستقرة.

لذلك، فإن تحديد الموقف الأساسي لمبدأ التناسب في حماية المعلومات الشخصية للموظفين يؤدي إلى منع أصحاب العمل من انتهاك حقوق ومصالح المعلومات الشخصية للموظفين من خلال المراقبة في مكان العمل. علاوة على ذلك، غالبًا ما يفتقر الموظفون إلى الحماس لحماية معلوماتهم الشخصية بسبب عدم توازن المصالح وصعوبة تقديم الأدلة، لحل هذه المشكلة، وهنا يمكن إضافة النقابات العمالية كمجموعات مؤهلة لدعاوى المصلحة العامة للموظفين، مما يساعد على تحسين وعي الموظفين بحماية الحقوق وبالتالي تعزيز الحماية الخاصة لحقوقهم ومصالحهم في المعلومات الشخصية. وإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز حماية المعلومات الشخصية للعمال من خلال وضع قوانين خاصة في مجال قانون العمل وقانون حماية المعلومات الشخصية، وإصدار قانون معايير العمل، وإنشاء نظام أدنى للتعويض.

** محاضرة قانون تجاري

تعليق عبر الفيس بوك