علي بن مسعود المعشني
أتى أحدهم الى السلطان سعيد بن تيمور- رحمه الله- لينقل له ما يظُن أنه سيُفرحه ويُطربه؛ حيث قال له: "مولاي، إن الشيعة ببلادنا يُقِيمون الحسينيات والمآتم وتتخللها كذا وكذا من الفعاليات"، وشرح له بعضًا من تفاصيل ذلك، فسأله السلطان سعيد قائلًا: "وكيف عرفت ذلك؟" فرد عليه: "راقبتهم وحرصت على التواجد بينهم في هذه المناسبات". فسأله السلطان سعيد: "ومن كلفك بهذه المهمة؟!" فرد بقوله: "اجتهدت من ذاتي ولم يكلفني أحد، فقال له السلطان سعيد: : "اذهب إلى السجن لتتأدب حتى آمر لك بالإفراج".
وفي واقعة أخرى بظفار أمر السلطان سعيد بن تيمور بسجن أحد أفراد حاشيته؛ لأنه صلى في حضرة السلطان على غير مذهبه، فاعتبر السلطان سعيد ذلك الموقف نفاقًا وإرضاءً له، وهذا مجرد غيض من فيض.
أما في عهد السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- فقد تجسدت فيه مظاهر مادية ومعنوية لا تُحصى تصب في ترسيخ مفهوم وثقافة التآخي طيلة خمسة عقود من حكمه، لعل ما يحضرني منها الآن هو أمر جلالته قبل أعوام قليلة باطفاء أنوار الزينة في المناطق والأحياء التي تقام بها مظاهر الاحتفاء بيوم عاشورا والتي صادفت زمنها احتفال السلطنة بالعيد الوطني المجيد.
في هكذا مناخ متآخٍ تقاسم العُمانيون حُب عُمان، وحُب بعضهم لبعض واحترام الآخر وأدب الاختلاف، ولم يتوقفوا عند ذلك؛ بل زادوا في ترجمة تلك المآثر فيما بينهم لتصبح ثقافة عابرة للأجيال ليترجموا بصدق غاية الإسلام ومقاصده العليا وملخص شعارها "غاية الدين مراقبة النفس لا مراقبة سلوك الآخرين" كما لخصها الزاهد جلال الدين الرومي.
كثيرة هي العبر والدروس والمآثر والمواقف عبر تاريخ عُمان وأطواره ومراحله التي تحض على نشر وبسط فضيلة التآخي بين مكونات الوطن والتعايش مع المقيمين وزوار الوطن والدوائر الأوسع على قاعدة مقولة الامام علي: "الانسان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
حين نتابع كعمانيين اليوم نشاط أشقائنا وشركائنا في الوطن من الطائفة الشيعية الكريمة وإسهاماتهم الحميدة في مجالات الوقف أو العمل الخيري تحديدًا ونجد ذلك يتعداهم إلى باقي المكونات، نشعر أن بذور التآخي قد أينعت وأثمرت وأنبتت من كل زوج بهيج. وأخيرًا وليس آخرًا توطينهم لمفهوم يوم عاشورا وتعبيرهم عن حزنهم على مقتل الامام الحسين بحملات التبرع بالدم؛ كتعبير عن بعث الحياة في أنفس سقيمة وإسهامًا منهم في بسط مفهوم انتصار الدم على السيف والحياة على الموت؛ حيث ترسخت تلك العادة الحميدة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي وتنامت شكلًا ومضمونًا لتشكل رافدًا مهمًا من روافد الخصوصية العُمانية بسماتها الحميدة. فقد بلغ عدد المتبرعين بالدم هذا العام 164 حالة من الذكور و56 حالة من النساء، فيما تم رفض 47 حالة من الجنسين لعدم مطابقتها لشروط التبرع.
قبل اللقاء.. بُنيت عُمان على خمس: شراكة وتآخ وتنوع واختلاف وثراء.
وبالشكر تدوم النعم.