يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"فقد اتصفت هذه النظرية بالتحليل الاجتماعي والنقدي، وإعادة بعث المشروع النقدي؛ فالمدرسة تدين في نشأتها إلى الفلسفة الماركسية، وقبلها إلى الفلسفة الكانطية والهيجلية".
د. حاج علي كمال
******
بالطبع أنا لا أحدثك عن مدرسة ابتدائية أو حتى ثانوية، ولا عن طلاب ومُعلمين، وجدران مدارس وسبورة وأقلام فلوماستر (رحم الله أيام الطباشير!)، إنَّما الحديث حول مدرسة فلسفية نقدية أُسِّست في العام 1923م. أي في القرن الماضي، هذه المدرسة -كما سميت من خلال المصادر- هي تأسيسا "لمرحلة نقدية بدأت إثر دخول عدد من الفلاسفة التنويريين لمبادئ تقارن بين الليبرالي المتطرف والديني المتطرف، وعمل تناسق بينهما أو كما يعرف في الاقتصاد بالمقاصة".
عندما حضرت لهذه الكلمات، وجدت هذا الاقتباس: "حركة نقدية حاولت تجديد الماركسية التقليدية، متأثرة في ذلك بمخطوطات ماركس الاقتصادية والفلسفية لعام 1844م، وبعض فلسفات العصر كفلسفة الظاهرات -الفينومينولوجيا- وفلسفة الحياة والوجودية، والتشاؤم الحضاري منذ أواخر القرن التاسع عشر وطوال الحربَين العالميَّتَين، وأزمة الفكر والتطبيق الماركسي بجانب أزمة الفرد الأوروبي في ظلِّ المجتمعات الشموليَّة والصناعية المتقدمة، سواء كانت شيوعية أو رأسمالية، حتى لقد اتُّهمَت من جانب أغلب نُقادِها بأنها ماركسية مثالية ووجودية أو رومانسية وصوفية".
تفكَّرت في معنى عنونة مدرسة فلسفية باسم مدينة، رغم وجاهة ذلك وعدم الغرابة، لكني تفكرت بأن المدينة ألمانية من بلاد الجرمان، ورغم كونها إحدى أهم الوجهات الاقتصادية في أوروبا نسبة لوجود البنك المركزي الألماني بها (دوتشه بنك)، وكذلك لأنها مقر منزل الشاعر الشهير جوته، لكن كنت أتساءل: ما الذي جمع هؤلاء الذين أسسوا تلك المدرسة التاريخية؟ وما هي الأفكار المجمعة التي جمعت هؤلاء؟ وتساؤلات عديدة !
الأكيد كما أرى أنَّها مدرسة فلسفية باطنها سياسي بحت، قد تعتقد أني أرمي لنظرية المؤامرة التي تكاد لا تفارقنا، لكنها السياسة المتدخل في كثير من الكيانات التي يكتنفها الشك، هناك كذلك من يربطها بالماسونية، وأيضا "ولا تذهب بعيدا" فقد تجد من يقيمها على أنها حركة دينية الأصل والمنبع لأي مذهب متحكم بمعتقدات مؤسسيها، صدقني في مثل هذه الأمور لا تستغرب شيئًا، وتوقع غير المتوقع، لا شك أنني لا أقصد التقليل من شأن الأطروحات الإبداعية أو تشويهها أو تهميشها، فليست بحاجة لكاتب عمود صحفي كي يفصلها يمنة ويسرى، وإنما بالاتكاء على التفاسير المنطقية، ولا أقصد المغالطات، سنرى أن الحركة ليست بريئة من نكهة السياسة ولا الفكر السياسي ولا احتمالات البصمة الدينية ولو على مضض، أكرِّر لا أرمي لنظرية المؤامرة، ولكنه تحليل متطلع لحقيقة قد تكون غائبة !
لاشك -وفي وسط هذا الخضم الزاخر من التطورات السياسية متشابكة الأطوار- والحروب الدموية الخارجة عن معقول الإرادة السوية، فالعالم في حاجة ماسة للمثقفين وعلماء العلوم الإنسانية والأدباء والفنون ومفكري علم الاجتماع لبحث وتفسير ما يجري ووضع الحلول الجازمة، والرؤى الحازمة، لتكون رسائل لوأد التكالب المدمر في السباق بين سياسيي الأزمات الدولية، أعلم ولست ساذجا بـ"أن نظريات العلوم الإنسانية ليست كافية لكنها بالقطع مؤثرة على الفكر الجمعي لتيارات الفكر المؤثرة في بلدان الغرب، لكني أنادي لفكر بعيد عن تدخلات عازمة على تجيير المدارس الفكرية والفلسفية لتيار ما، وفكر سياسي ما، وربما لخدمة سياسة ما.
لابد أنَّ لمدرسة فرانكفورت إيجابيات وإضاءات مثلما لها كعادة الأفكار سلبيات، لكننا بحاجة لأن نتفكر بها وبمآلات الفكر ونظرياتها بما يحقق الفائدة، وبنفس اللحظة نتمتَّع بوازع أن المؤمن كيِّس فطن، فـ"ليس كل ما يلمع ذهبا".
وفي مدونات الجزيرة، كتب المُفكر محمد خليفة عفان ما يلي: نقطة أخيرة نستفيدها من المدرسة، وهي أننا حين ندعو للتحديث أو التنوير، يجب أن نكون مُدركين بوعي تام أنَّ ثمة قيما ومفاهيم إذا خسرتها المجتمعات فمن الصعب جدًّا إعادة بنائها، وأن دور العجزة والحضانة مثلاً ليست من التقدم في شيء، بل أوكار تعاسة أنتجها العقل الأداتي الغربي في أكثر صوره تطرفا ومادية، وطبعاً بناء حضارة كالتي نراها شمال البحر لا يعني بالضرورة أننا يجب أن نكرر نفس الأخطاء".