السماحة في وجه سماحته

د. أحمد العمري

كُنت أقرأ عن موضوع رجال عملوا الفارق في أوطانهم، رغم أنَّهم لم يكونوا ملوكًا أو قادة؛ فتبادر إلى ذهني مُباشرة سماحة الشيخ الجليل العلامة أحمد بن حمد الخليلي، لكنَّني تَوقَّفت مليًا ماذا عساني أن أكتب، وماذا عساني أنْ أقول وأنا أقف أمام عملاق بعلمه وتواضعه وحسن تعامله.

فمهما كتبت وقلت أنا أو غيري، فلن نوفيه حقه، لكنَّني شددتُ من أزري وقوَّيت من عزيمتي، وقلت أليس هذا الرجل الذي يُعتبر أحد أهم أعمدة النَّهضة التي بدأها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وهو لا يزال في عهد النهضة الهيثمية المتجددة ونحمد الله جميعًا في سلطنة عُمان أن الله حفظه لنا.

أليس هو هذا الرجل الذي ألغى كلَّ الفروقات بين المذاهب والطوائف والفئويات، ليبعث الصلح الاجتماعي والديني بين شعب عُمان وكافة شعوب العالم، وآخى بين أطياف العمانيين، وأفتى بعلم وبصيرة ودراية ومعرفة وعلى كل المذاهب.. وها نحن نرى الأباضي يتزوج السنية، والسني من الشيعية، والعكس تمامًا. ونرى السني يصلي في المسجد الشيعي، والشيعي يصلي في المسجد الأباضي، دون قيود أو حدود، وهذا لأنه المفتي العام لسلطنة عمان كافة، بكل مذاهبها وفئاتها وتشعبهاتها بكل تسامح وتعايش وسلامة وأمن وأمان، وود ووئام، في ظل استقرار سياسي وأمن اجتماعي مشهود.

فإن كان هناك من فضل في هذا، فهو بعد الله وجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه وأطال لنا بعمره- لهذا الرجل العلامة الجليل المخضرم، الصبور، المتواضع، العفوي، المنطقي، الواقعي، الذي أضحى رائدًا في العالم الإسلامي في كل ما يهم الإسلام والمسلمين في كل أنحاء العالم.

إنَّنا في سلطنة عمان نعيش الواقع في نهج التسامح والتآخي، بل وربما لم يعرف الكثير أنَّه يوجد في سلطنة عُمان غير مسلمين، لكننا لا نزايد عليهم في الوطنية؛ فلربما فيهم من هو وطني ومُحِب لبلاده وسلطانه أكثر منِّا. ودائما وأبداً في عُمان لا أحد يُزايد على الآخر في وطنيته.

ثم لنأتي ونتناقش بواقعية ومنطقية: ماذا كان مذهب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته؟ ألم يكن مذهبهم الوحيد هو "لا إله إلا الله محمد رسول الله"؟ فلماذا لا نتفق على ما أجمع عليه الإسلام، ونختلف على اجتهادات العلماء والأئمة والفقهاء؟

وهذا النهج الذي تمضي عليه سلطنة عمان، ولو اتفق معها العرب والمسلمون لكُنَّا اليوم بألف خير وقوة ومتانة وتوحُّد وتعاضد.

لقد بذلت عُمان الكثير من الجهد في هذا المجال، عبر سماحة الشيخ الجليل مُفتي عام السلطنة - حفظه الله وأطال في عمره- ثم كان لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الجهد المشكور، وقد جابت العالم أجمع بلغة التسامح والمؤاخاة والتعايش، والتي أشرف عليها معالي الدكتور الشيخ محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية، وها هي سفينة شباب عمان الثانية تجوب البحار والعباب لتُوْصِل رسالة السلام والتعايش والمحبة لكل العالم.

إننا في سلطنة عُمان نتفق دائمًا وأبداً على أننا عمانيون، إخوة في المنشط والمكره، في الحقوق والواجبات، في التعاضد والتلاحم والتآخي، ننبض بنبض واحد، ويا ليت أشقاءنا في العالم العربي والإسلامي يتفقون معنا، وحينها سنكون بإذن الله خير أمة أخرجت للناس.. والله نسأل أن يهدي الجميع لما فيه الخير والصلاح.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها، وكل مقيم على أرضها من كل سوء ومكروه.