د. صالح الفهدي
مسؤولية الدولة لحماية الأخلاق
استجابتْ منصَّة "يوتيوب" لطلب المملكة العربية السعودية إزالة الإعلانات المخالفة، والتي وصفتها بأنها "تتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية"؛ وذلك على خلفية شكاوى من المستخدمين حول "إعلانات غير ملائمة".
وأكَّدَ المتحدث باسم منصَّة "يوتيوب" بأنَّه: "تم إغلاق حسابات المعلنين المخالفين لسياسات المنصة، التي وصفها بالصارمة"، زاعِماً أن: "حماية المجتمع من أهم أولويات المنصة في السعودية وحول العالم.."، ورغم أنني لا أصدِّقهُ، لأنَّ هذه المنصات قد أصبحت تُستخدم لاستهداف المجتمعات العربية الإسلامية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بالغزو الفظيع المقزِّزِ، المستهدف للحطِّ من القيم، ومجون الأَخلاق والأدلَّة على ذلك كثيرة، إنَّما يعنينا هُنا مسؤولية الدولة نحو الأخلاق.
الدولةُ مسؤولةٌ عن أخلاق مواطنيها لأنها صاحبُ اليدِ الطولى في بسط النظام، وفرضِ القانون، وتنظيم شؤون المجتمع، والحفاظ على مكتسبات ومقدِّرات الوطن.
جاء في الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم).
إنَّ من يمتلك القدرة على تغيير المنكرِ باليدِ -وتَعني اليوم في عُرف الدولة الحديثة السُّلطة- ليس المواطن بل الدولة المسؤولة مسؤولية مباشرة عن تغيير المنكر، على أنَّ المجتمع هو مسؤولٌ أيضاً عن تغيير المُنكر بلسانه، وهذا ما حدثَ من تبليغ المواطنين السعوديين -فيما ذكرناه أعلاه- من مخالفات منصة "يوتيوب" للقيم والأخلاقيات العامة، للجهات المختصَّة في المملكة، والتي قامت بدورها بممارسة دورها في حماية المجتمع من ما يتقصَّد أخلاقياته بالهدم، وقيمه بالانحراف.
إنَّ وعي الدولة في قضية حماية القيم الأخلاقية هو وعيٌ لا يمكنُ التجادلُ حوله، ومن أجل ذلك فإنَّ الدول التي التزمت بهذه المسؤولية التزاماً حازماً حافظت على تماسك لُحمة المجتمع، وسلامة أخلاقه، أما التي اتَّبعت زيغ الانحرافات في المجتمع، وأصدرت القوانين المشرِّعة التي تُساند الانحطاط والابتذال حسب الأهواء الناشئة في مجتمعاتها؛ فقد شهدت تفكُّك المجتمع وأول ذلك انهيار مفاهيم الأُسرة، وانهيارها يعني انحدار المجتمع وتشرذم كيانه، والسَّبُب في ذلك كما بيَّنا في مناسبات مختلفة هو جحُود الدِّين الذي هو المصدر الرئيس للأخلاقيات في أيِّ مجتمع، فـ"إذا لم يكن الإله موجوداً فكل شيء مباح"؛ كما يقول الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي!
بَيْد أنَّ دور الدولة لا يجب أن يقتصرُ على وضعِ المتاريس أمام تيارات الزيغ الأخلاقي، أو إقامة السدود أمام الانحطاط القيمي؛ بمعنى أن دورها لا يقتصرُ على ردَّة الفعل، وإنما الأهم من ذلك أن يكون دورها أعمق من ذلك ويكمن في تأسيس القاعدة الأخلاقية الرصينة لمواطنيها منذ نشأتهم المبكرة، وفي مراحل نموِّهم المختلفة، يقول الكاتب د. معتز بالله عبدالفتاح في مقالته: "هل الدولة مسؤولة عن أخلاق مواطنيها؟": "ولأن الدولة مسؤولة عن أخلاق وقيم وسلوكيات مواطنيها كما كتب فى هذا الفلاسفة ورجال الدولة من عهد أفلاطون وأوراليوس والأنبياء والحكماء حتى عصرنا هذا؛ فقد اهتمت الدولة الحديثة بأنَّ تكون هناك رؤية إستراتيجية لتربية وتنشئة المواطنين على القيم المدنية التى تجعلهم قادرين على التعايش والتفاعل والعمل المشترك وصولا إلى النهضة والتقدم".
على أنَّ ذلك لا يعفي المواطن من مسؤوليته نحو الأَخلاق، ولا يمكنه أن يتنصَّل من واجبهِ تجاه تعزيز الأخلاق في وطنه فيقول:"لا دخل لي" أو "مالي حيلة"؛ فالمصيرُ مشترك، والواجبُ يحتِّمُ على جميع مكوِّنات الوطن التعاطي بيقظةٍ وبصيرةٍ وحكمةٍ وحزم مع كلِّ ما يتهدِّدُ الأخلاق في المجتمع، وهذا ما نشهدهُ من حراكٍ مجتمعي قوي حين يظهرُ من تنحدرُ به أخلاقه في مقطعٍ مصوَّرٍ مندِّداً، ومستهجناً، ومطالباً السلطات بمعاقبة المسيء.
خلاصة القول.. أن مسؤولية الدولة تجاه الأخلاق من أولويات شؤونها التي لا يمكن التفريط فيها؛ فمن فرَّط في القاعدةِ فلن يفيده الاهتمام في أيٍّ من الجوانبِ الأُخرى مهما تقدَّم فيها، لأنَّ الأُمم لا تحفظَ حضارتها إلا بالحفاظ على أخلاقها.