يارب وحدك من يلطف بنا

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

إنَّ من شعر الطغرائي أنْ قال "أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَل"؛ ولهذا فنحن نعيش وبداخلنا أمل بأنَّ الغد سيكون أفضل بإذن الله تعالى، مستعينين بما أمرنا الله تعالى به، وهو الصبر والصلاة، فيارب إن تعاظم الخطب وحدك كاشفه، وإن عظم الكرب فوحدك مُبدِّده، وإن كبر الهم فوحدك مفرِّجه، فهكذا هي حياتنا بين عسر ويُسرين، وبين دنيا وشيطان ونفس وهوى، فلا حل ولا خلاص منهن وما يأتين به ويذرنه، إلا بالتمسك بحبل الله المتين، وتصبير النفس على ذلك، حتى تألف حب الامتثال والانصياع لأوامر الله جل وعلا، وإلا سيكون ديدنها ارتكاب المخالفات الشرعية الجسيمة، في حق النفس والآخرين أمرا واردا لا محالة.

لا شك أنَّنا نأتي إلى هذه الدنيا ونحن لا نعلم عن أنفسنا شيئاً، إلا بعدما نكبر ويدلنا العقل على وجودنا وخلقنا، ومن هم آباؤنا وأمهاتنا ومن حولنا، كأقربائنا وأهلنا وجيراننا وغيرهم.

فتبدأ رحلة الكفاح منذ أول مقاعد الدراسة، وتبدأ الصورة في الوضوح شيئًا بعد آخر، ويومًا بعد آخر، ويبدأ الصراع مع ما هو مكتوب وحاصل وغير الموجود مستمر، فيصبح لنا رأي أننا نريد ذلك ولا يُمكن حصولنا عليه، لأنه ليس عندنا شيء، ونكره ذاك كالفقر مثلاً، ولا نستطيع رده عنَّا؛ لأنه ليس لنا قدرة على دفعه، ونبدأ نكون في أوضاع ومواقف وحالات ومناسبات أنَّ ذاك الأمر والشيء البسيط ليس بمقدورنا اقتناؤه أو شراؤه أو الحصول عليه؛ لأنَّ أهلنا لا يملكون المال لشرائه لنا، ولو على سبيل الدراجة الهوائية مثلاً، فما بالك بحذاء جيد نلبسه للمدرسة، أو أن تكون لدينا لبسة أو دشداشة جيدة، تكوسنا من العري ونتزين بها.

نعم.. يحدث ذلك كثيرًا في بيوت الفقراء ومعهم؛ فليس لهم إلا الله تعالى وحده، نعم يحدث ذلك باستمرار وعند كل مُناسبة، في بيوت أصحاب العوز والحاجة والفاقة، وحينما يتوق أطفالهم إلى أن تكون لدى أحدهم دراجة هوائية أو لعبة بسيطة، ولا يستطيع الأب شراءها لهم، أو يتطلع أحدهم إلى أنْ يُمارس نشاطا معينًا أو هواية معينة أو موهبة معينة، وليس بمقدورهم أن يكون لديهم المال لشراء تلك الأداة أو الجهاز أو وسيلة اللعب تلك كالكرة مثلا، وذلك للترفيه عن أنفسهم، في وقت أنَّ هناك متسعًا من الراحة واستغلال الوقت، على اعتبار أنَّ الوقت وقت إجازة مدرسية، والوقت صيف والناس والجيران والأصدقاء، يمموا شطر الجنوب وصوب الشمال، والأولاد يسمعون من ابن الجيران أنهم ذهبوا هناك، وأتوا من هناك، و"إنتوا ليش أبوكم ما وداكم؟ وليش أبوكم ما شرى لكم) فيا الله لطفك.

لذلك؛ كم من المرات التي ينظر فيها الأب إلى أولاده حزينا، يربت عليهم ووجهه ممتلئاً حزنًا، قائلا لهم: "يا أولادي، ترى ذيلاك وضعهم؛ غير لأنَّ أهلهم عندهم، فلهذا ذهبوا هناك، وأتوا من هناك، أما أنتم ونحن، فمكتوب علينا أن نبقى هنا، نُراقب بعضنا ونتحدث مع بعضنا، وهذه يا أولادي أيضًا نعمة علينا أن نشكر الله عليها".

فيا أيُّها الأب الذي تكون في هكذا مواقف وأوضاع وحالات، أعانك الله وصبَّرك وثبتك، وإذا كان أصدقاء أطفالك في الحي والمدرسة، تحدثوا مع أطفالك عن سفراتهم ومشترياتهم وسيراتهم وجياتهم، وما تحصلوا عليه، الأمر الذي يؤلمك ويضايقك ويجعل أطفالك يرون أنفسهم أنهم الأقل والأضعف؛ فلا حول ولا قوة لك بتغيير ذلك، إلا بالصبر والدعاء، وتهون على أنفسكم بالصلاة وبذكر الله جلَّ جلاله، وبعمل حلقات التعليم التي تكون في البيت، والتي فيها سماع قال الله تعالى وقال رسوله الكريم، فاكتفِ أن تأخذ أطفالك في أحضانك تهوِّن عليهم وتداعبهم وتقبلهم وتمسح على رؤوسهم، وتقول لهم يا أولادي ليس كل ما يتمناه الفقير يُدركه ويحصل عليه.

نعم.. لقد جاءتْ العطلة الصيفية، لكنها لم تأتِ معها القدرة على شراء دراجة هوائية لذاك الطفل وأخيه، ولم تأتِ معها القدرة على الذهاب بهم إلى أماكن سياحية أو ترفيهية أو توفير جهاز بسيط لترجمة خطة وطريقة لعب معينة على شاشة تلفاز يتسلُّون بها.

فيا طفلي، أعذرني وسامحني؛ فليس بمقدوري فعل شيء لك، أو شراء ذاك الشيء لكم، لكنَّني لا أعتقد يا طفلي أنَّ الحرمان مكتوب عليكم طوال عمركم، وأنَّ الفقر قرينكم مدى حياتكم، فقل أنت وإخوتك "يا الله" وهو الذي بيده كل شيء وتغيير كل شيء، وهو الذي بابه مفتوح لا يُغلق، وهو الذي لا يتعب من دعائك ولا يمل، ولا يكره مناجاتك له أو إلحاحك عليه؛ فعلينا بالصبر والاحتساب يا ولدي، ودع المقاديرَ تجري في أعِنّتها ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ، ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها، يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ.

ختاماً.. أسأل من هو في ملكه مُقيم، وفي جلاله عظيم، وعلى عباده رحيم، أن يُكرمنا ويكرمكم، ويعزنا ويعزكم، ويُحبكم ويحبنا، ويرحمكم ويرحمنا، ويفرج همنا وهمكم، ويعطيكم سؤلكم ويحقق أمانيكم، وينعم علينا بالخير وبموفور الصحة والعافية، وياربي غيِّر حالنا إلى أفضله فأنت المستعان والملاذ.. ويا أبنائي تفاءلوا لعل القادم أفضل.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة