مرورا على ما يجب (1)

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

في أعوام النهضة الأولى، وتقريبًا حتى نهاية التسعينيات، يندر أنْ نجد تحليلاً أو انتقاداً للمشاريع الحكومية، وكنَّا نعتقد أنَّ المؤسسات الحكومية تقوم بما ينبغي، خصوصاً مع توافر الممكنات من ميزانيات مالية ومبانٍ مهيأة وكوادر بشرية مدربة: ثالوث نجاح مشاريع المؤسسات. كان الانتقاد بسيطا والامتعاض أقل مما هو عليه في هذه الآونة، وهو أمرٌ كان علينا تجاوزه بشيء من التحفظ. ما نسمعه الآن وما يجعلنا نحن أبناء جيل السبعينيات نُنصت له جيدا، هو مقدار الانزعاج الذي نلمسه من شبه الأمي وأنصاف المُتعلمين، الذي لم يستطع مساعدة نفسه في المعيشة، والذي يعتقد أنَّ الحكومة ضيَّقت عليه معيشته.. الانزعاج الذي يتحدَّث عن قلة الخدمات أو عدم دقتها ودوامها، عن وضع الأشخاص غير المناسبين لتقديم الخدمة، عن عُقم الإجراءات وعن الفساد وغياب الثقة بالمسؤول، هذا المستوى من الحديث يجرُّنا إلى ما أحدثته التكنولوجيا من ثورة معرفية لا تُقارن بالصحف المكتوبة والكتب والإذاعة والتليفزيون، وأي وسيلة أخرى للمعرفة، التكنولوجيا التي جعلت حتى الأمي يتحدث عن السياسة المجتمعية ومقارنة تلك السياسات إقليميا ودوليا.

عرف الكثير من هؤلاء أنَّ بعض مشاريعنا الحيوية قد أُعلِن عنها منذ سنين لكنها لم تُنفذ، وكأنَّ هذه المشاريع قد تركت للتهكم، هنا نستشعر كيف لهذا البسيط أن يفهم الحكاية؛ فمشاريع أعلن عنها بشكل رسمي وأجريت المقابلات الصحفية مع مسؤوليها، أُفرِدت لها صفحات كاملة في الصحف المحلية وربما الأجنبية، وانتظمت لها اللقاءات التليفزيونية والإذاعية، وفي النهاية لم يُنفذ أي منها، هذه المشاريع إمَّا حكومية أو من القطاع الخاص.

الطفرة التي حدثت في التسعينيات، جعلت العديد من الشباب يخرج في إجازاته خارج البلاد ليأتي بمُقارنات لا حصر لها، يعتقد من خلالها أن حكومته تستطيع بكل بساطة تنفيذ بعض المشاريع السياحية التي تجلب المال، وتلك الخدمية التي تسهل الحياة؛ اعتقادا منه أن لا أحد قد فكر فيها مسبقاً وهو أمر قد يكون صحيحا، لكنه يتفاجأ بعدم الاكتراث.

هذه النظرة أوجدتْ شبابا كُثر غير مُبالين بما يحدث، وغير عابئين بالجهود المبذولة، حتى مع تنفيذ المشاريع الكبيرة كالمشاريع المائية والكهربائية ومشاريع الطرق والنفط والغاز...وغيرها؛ حيث تُقابَل باستهزاء وتهكُّم شديدين، كل هذه المشاريع لم تروِ ظمأ حنقهم وتوجسهم، يحسبون كل شيء بمعيار المصلحة؛ فالمسؤول في نظرهم مرتشٍ وسارق وصاحب مصلحة من مشروع هنا واتفاقية هناك، فضلاً عن استبطان ذلك في نكت طريفة تضمر المعاناة والأسى، وتصل للمتلقي أسرع من ازدراد الطعام إلى الجوف.

رغم الاختصاصات المتنوعة، إلا أنَّ ابن البلد يتسول في مكاتب الولاة وجمعيات الزكاة وفي محلات المواد الغذائية، ليتفضل عليه البائع الأجنبي بخبز أو بعض المُعلبات، أو أنه في السجون يُعاني بعد تسريحه من عمله.

ما حدث عام 2011 من تجمُّعات شبابية، هدَفَت جُلها إلى أهمية استيعاب الشباب في وظائف سريعة قبل تفاقم عدد الباحثين عن عمل، ففي بلد مثل عُمان يبلغ عدد سكانها مليونين ونصف المليون أقل أو أكثر بقليل، ويبلغ فيه عدد الباحثين عن عمل أكثر من 50 ألف نسمة (في ذلك العام فقط)، يدل على تواضع الخطط وإخفاق إدارة التوظيف بعد أن كشفت الإحصائيات عن ازدياد عدد العاملين الأجانب.

أثَّرتْ هذه الأحداث وغيرها في نظرة المجتمع للمُتعلم الذي يحمل همَّه بيد وشهادته باليد الأخرى، أين يمضي وإلى أين تقوده الشهادة وأبناء بلدته غير المتعلمين قد تم استيعابهم في الخدمة العسكرية؟ ولسان حال والده يقول: ليته لم يتعلم، لا أتحدث عن غيبيات، وإنما عن حقائق لمستها في مجتمعي المتواضع، وسمعتها من آخرين في مختلف المحافظات.

المُتعلِّم عينُ أي بلد وعقلُها المفكِّر، لكن الآباء البسطاء لا يكترثون إلا بالنتيجة، ما هي نتيجة التعليم؟ حتى الآباء المتعلمين الذين يعاني أبناؤهم من الفراغ يأملون لو يرجع الزمان مرة أخرى للوراء حتى لا يكترث بتعليم ابنه لأن غير المتعلمين وجدوا وظائفهم وتزوجوا وأنجبوا، في حين بَقِي صاحب الشهادة بين جدران المنزل بعد جدية المحاولة ومرارة الرفض؛ فالوظيفة لا طائل له بها.. من أوصل المجتمع لتعميق هذه النظرة؟ وهل الوضع الاقتصادي مسؤول عنها؟ هل الإجراءات (الستمائة وألف!!!) مسؤولة عن قساوة الاستثمار المؤدي لتشغيل الشباب؟ وهل على الحكومة أن تُلزم الشركات بتعمين بعض الوظائف في المشاريع الحكومية الكبيرة كمشروع طريق الباطنة الساحلي الذي أُعْلِن عن تصميم وتنفيذ الجزء الأول منه مؤخرا؟ وهل الضوابط بالسهولة التي يتم من خلالها تسريح المواطنين أصحاب العوائل بينما يبقى الأجنبي بوظيفته ويرتقي بها؟!

للموضوع بقية...،

تعليق عبر الفيس بوك