شبابٌ دون عمل أو أمل!

مسعود الحمداني

مشكلة "الباحثين عن عمل" هي إحدى المشكلات الجوهرية في هذا الوطن العزيز، مُشكلة ما زالت تبحث عن حلول جذرية وليس مسكِّنات وقتية، فكم من منزل يحوي واحدا أو أكثر من شباب في مقتبل العمر، وُئدت أحلامهم وأمانيهم، وانتهى مستقبلهم الذي حلموا به طيلة سنوات الدراسة، شباب جامعي وغير جامعي، وطاقات مهدورة لا يمكن تعويضها تتهاوى أمامنا، خريجون منذ عشر سنوات أو يزيد دون عمل، ينتظرون الفرج، فيقف عامل "المنافسة" بينهم وبين الشباب الجدد في وجه تشغيلهم، ويطلُّ "عائق العُمر" أمام توظيفهم، بعد أن أفنت أعمارهم الأيام، وشاب شعر أكثرهم دون أن يرى "كدّ" يديه.

هذه القضية الشائكة تحتاج إلى آلية واضحة وجادة من وزارة العمل، لا تضع خانة "العمر" عائقا أمام هؤلاء، ولا تخضع لعنصر المنافسة من قبل خريجين جدد، بينما نرمي وراءنا شبابا تقادم عليهم الزمن فأصبحوا ضحية لمعطيات غير واقعية، ونشرات غير حقيقية، وأرقام غير صحيحة، فبعد أن ضَل حلم هؤلاء الشباب طريقه، وباتوا عالة على أهاليهم، خرجت لنا وزارة العمل بـ"العقود المؤقتة" التي لا أمان لها، ولا مستقبل مشرق يُبنى عليها، وبينما رضي الكثيرون بأسوأ الحلول على مضض، لأنهم لا يملكون خيارا غيره، ظل الباحثون القدامى عن العمل دون عمل، لأن "سنهم" لا تسمح بتوظيفهم، ولأنهم دون خبرة عملية تسعفهم، ولأن عنصر "المنافسة" لم يعد في صالحهم، ولأن "نظاما اجتماعيا تأمينيا حكوميا" لم يخرج إلى النور كي ينقذ ما تبقى من أحلامهم.

ففي معظم دول العالم التي تهتم بشبابها وخريجيها هناك "معونات شهرية" تمنحها الحكومة لهم إلى أن يجدوا عملا مناسبا، ولعل هذا ما نحتاجه -ولو بشكل مبدئي- كي ننقذ أبناءنا من براثن الفراغ، ولا أعتقد أنَّ القطاع الخاص هو الملاذ الآمن لهؤلاء الباحثين عن عمل، إلا إذا كانت هناك تشريعات مُلزِمة وعقود صارمة لهذه الشركات لا تعطيها الحق في الفصل الانتقائي والتعسفي دون وجود مُبرِّر واضح وقوي، وحتى لا تتحايل هذه المؤسسات على القانون لإجبار العماني على تخفيض راتبه، مُستغلةً حاجته للعمل، أو لتُعِيد تشغيل هؤلاء الشباب بعقود جديدة مُجحفة كي تتخلص من بعض الأعباء المالية عليها على حساب الشاب العماني، بعد أن تُصدِّر إلى "الإعلام" نسبة التعمين الوهمية لديها، كي يتم نشرها في كتيب لا علاقة له بالواقع، وفي المقابل لا يمكن أن تجبر الشركات الصغيرة على التشغيل؛ لأنها تعاني من قلة رأس المال، والأزمات المتتالية التي مرَّت عليها بدءا من جائحة كورونا، وليس انتهاء بإعلانات الإفلاس والخروج من السوق نهائيا.

... إنَّ من حق هؤلاء الشباب أن يعملوا في وطنهم بكرامة، وأن يُعطوا فرصتهم في الحياة، وأن يرى الوطن ثمار ما غرسه في أبنائه، ومع أنَّ الأمر ليس بهذه السهولة، وليس له حل سحري، إلا أن إنشاء "نظام مالي حكومي"  لتقديم معونات شهرية للشباب الباحث عن عمل قد يكون خطوة تطمينية لهم، ورسالة واضحة بأنَّ وطنهم يهتم بهم، وبمشكلاتهم. وفي الوقت ذاته البحث عن حلول جذرية -كما أسلفت- لتشغيل هؤلاء الشباب، ولا أعتقد أن المسؤولين في الحكومة عاجزون عن إيجاد الحلول الناجعة لهذه المشكلة، قبل أن تستفحل، ويغصَّ قطار الباحثين عن عمل بركابه الجدد.