يا ليلة العيد

د. سعيد بن سليمان العيسائي

لا يمرُّ عيدٌ من الأعيادِ إلا وتبثُّ مُعظمُ الإذاعاتِ في العالم العربي أغنية "يا ليلة العيد" لأمِّ كُلثوم، فيتقبلها كلٌّ حسبِ حالته النفسية، والواقع الذي يعيشه، والظروف التي يمرُّ بها، فمنهم من يتقبلها بفرحٍ وغِبطةٍ وسُرورٍ، ومنهم من يتقبلها بِحُزنٍ وألمٍ ومرارة، وكأنهم يستحضرون قول المتنبي:

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ // بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ // فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

ولكنَّ الكثيرين لا يعرفون تاريخ هذه الأغنية وقِصتها، فارتأينا تقديم نبذة مُختصرة عنها ليتعرف القارئ الكريم على هذه الأغنية عن كثبٍ.

تعودُ قصة هذه الأغنية إلى العام 1940م حينَ غَنَّت أمُّ كُلثومٍ هذه الأغنية فى فيلم: "دنانير" التي كانت هي بطلته، والأغنية من كلمات الشاعر: أحمد رامي، وألحان: رياض السنباطي، وأخرج الفيلم المخرج الكبير: أحمد بدرخان.

وفى 17 سبتمبر  1944م كانت أمُّ كُلثومٍ تُغني أغنية "يا ليلة العيد" فى النادي الأهلي، وفجأة دَخَلَ الملك فاروق عليهم الحفل، وهتف الحضور بحياة الملك، وارتجلت أمُّ كُلثومٍ بعض الأبيات وغنتها، ومِن ضمن هذه الأبيات قولها:

يعيش فاروق ويتهنى // ونحييله ليالي العيد

وفى نهاية الحفل أنعم عليها الملك فاروق بوسام (الكمال) بصفة استثنائية؛ لأنه كان يُمنح لأفراد الأسرة المالكة من النساء ممن قدمنَّ أعمالاً جليلة، فأصبح لقبها "صاحبة العصمة".

كما تحدث كتاب: "العصر الذهبي للغناء المصري مواقف وحكايات" للدكتور نبيل حنفي محمود، الصادر عن دار الهلال، بتفصيل عن هذه الأغنية.

تأسس هذا النيشان (الوسام) بمُوجب أمر سلطاني أصدره السلطان حسين كامل سنة 1915م

والسلطان حسين كامل هو من القلة القلائل الذين حملوا لقب (سلطان) فى مصر من سلالة الدولة العلوية.

واستمر منح هذا الوسام للنساء اللاتي قَدَّمْنَّ خدمات جليلة للبلاد والإنسانية، فمنح الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا الوسام للسيدة جيهان السادات أرملة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بعد وفاتها.

ونُشير هُنا إلى أنَّ بعض أميرات وملكات العصر العلوي فى مصر قَدَّمْنَّ أعمالا خيرية وتبرعن بأراضٍ ومزارع ومبالغ نقدية لإنشاء بعض الجامعات مثل جامعة فؤاد التي تحوَّل اسمها إلى جامعة القاهرة.

ومن أشهر الأميرات اللاتي أسهمن فى إنشاء الجمعيات الخيرية والمبرات الأميرة شُويكار زوجة الملك أحمد فُؤاد الأولى وطليقته.

ومن النساء اللاتي قَدَّمْنَّ أعمالا خيرية الملكة فريدة زوجة الملك فاروق الأولى وطليقته، حيث حصلت على وسام الكمال. ومنهنَّ كذلك الملكة الأم نازلي زوجة الملك أحمد فؤاد، وأمُّ الملك فاروق.

وفِى معرضِ حديثنا عن مِصر والعيد نود الإشارة إلى أنَّ بداية العيدية كانت فى العصر الفاطمي، وكانت تُوزععلى المهنئين للخلفاء، وعلى الأقارب، والأرحام، وحفظة القُرآن الكريم.

ويرى البعض أنها ظهرت فى العصر المملوكي، وأطلقوا عليها "الجامكية"، وهي تعني "المبالغ المُخصصة لِشراءِ الملابس"، وبعد ذلك تمَّ تعريفها لتصبح "العيدية"، وكانت قيمتها تختلف بحسب المكانة الاجتماعية والرتبة.

يأتي العيد فنتذكر أعزة وأحبابا فقدناهم، وكُنا نأنس بحديثهم ولُقياهم فى هذه المناسبة.

يأتي العيد فنستذكر أحوال الفقراء واللاجئين والمُهجَّرين والمرضى، فنشكر الله على ما نحن فيه من نعمة وصحة، ولسان حالنا يقول: يا ليلة العيد آنستِينَا // وجددتي الأمل فينا يا ليلة العيد، كما نتذكر قول الشاعر: ما أضيقُّ العيشَ لولا فُسحةُ الأملِ!

كاتب وأكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك