حاتم الطائي
◄ نحتاج إلى إرادة صلبة من أجل بلوغ الأهداف والتطلعات المستقبلية
◄ الاستراتيجية الوطنية للابتكار واعدة.. ولكن!
◄ تقنيات الجيل الخامس "5G" تفرض علينا الإسراع في تأهيل الكوادر الوطنية
في ساحة تكريم دولية يقف الفريق العُماني للمبتكرين على منصة التتويج الدولي في سياتل عاصمة التكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، تقديرًا وعرفانًا لما ابتكره الفريق من اختراع غيّر مجرى التاريخ، وذلك بعد حصولهم على أرفع الجوائز المتخصصة في الابتكار وتقنية المعلومات، عن مشروعهم الواعد، الذي يعمل على تقديم حلول تقنية غير مسبوقة، وفريدة من نوعها، وما هي إلا لحظات واشتعل المسرح بالتصفيق المختلط بدموع الفرح والفخر، ليُعزف السلام السلطاني في ذلك المحفل ويرتفع العلم العُماني مرفرفًا ومعلنًا ببلوغ هذا الفريق العالمية من أوسع أبوابها....
لم يكن ذلك حلم يقظة، ولا رؤيا في منام؛ بل هي مشاهد أُجزم أننا سنراها يومًا ما عمّا قريب، هي ليست أمنيات بل تطلعات مرتقبة نأمل تحققها خلال المرحلة المقبلة، فما يُبذل من جهود واضحة من قبل مختلف المؤسسات المعنية بقطاع الابتكار والتكنولوجيا في وطني العزيز، تؤكد أن شبابنا وفتياتنا المتقدون بالحماس والمفعمون بالطاقة، قادرون على المنافسة في أكبر المسابقات الدولية حول العالم، وأنهم قريبون جدًا من ابتكار تقنية لم يسبقها إليهم أحد، ستساعد البشرية وتقدم لهم خدمات جليلة، ولما لا فهم أحفاد أحمد بن ماجد البحّار العبقري الذي ابتكر أدوات ملاحة ونظم بحرية ساعدت على تقدم الملاحة البحرية على مر التاريخ.
والحديث عن الابتكار يحتاج منا تسليط أضواء كاشفة على واقع الابتكار في عُمان، ففي الوقت الذي نجد فيه مؤسسات الدولة الرسمية وعدد من شركات القطاع الخاص يدعمون ويمولون الابتكارات، فإننا نكتشف في المقابل أن الطاقات التي لا يتم استيعابها أكبر بكثير، الأمر الذي يتطلب مضاعفة العمل وبذل المزيد من الجهود من أجل توفير البيئة الملائمة والحاضنة للمخترعين. نعم لدينا مراكز متخصصة واستراتيجية وطنية للابتكار (2040)، والتي أحرزت تقدمًا ملموسًا خلال السنوات الماضية، عبر مؤشرات الابتكار المختلفة، والتي ارتكزت على المعايير العالمية، وكل ذلك وفقًا للأهداف الطموحة التي وضعتها الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" وتهدف إلى بناء اقتصاد وطني قائم على الابتكار، من خلال إعادة هيكلة اقتصادنا بما يسهم في تنويع الموارد الاقتصادية.
إذن ما الذي ينقصنا لتحقيق التطلعات المشروعة وتقديم ابتكار عُماني 100% للعالم؟
الواقع يشير إلى أن المخصصات المالية متوافرة، ودليل ذلك تخصيص مبلغ 185 مليون ريال (أي نحو نصف مليار دولار) من أجل تسريع وتيرة التحول الرقمي الحكومي، فضلا عن المخصصات المالية الأخرى والتي تتولى الإشراف عليها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بعد إعادة هيكلة القطاعات، وكذلك بعض الدعم المقدم من مؤسسات القطاع الخاص ورعايتها لمختلف المسابقات التقنية التي تُنظم بين الحين والآخر.. لكن حقيقة الأمر أننا ينقصنا ما نجده في الغرب، ألا وهو تكاتف كافة مؤسسات الدولة العامة والخاصة، من أجل دعم المبتكر وتوفير البيئة اللازمة لكي يتمكن من إطلاق العنان لإبداعاته. وأذكر هنا أننا خلال سنوات ماضية كُنا نحتفل بخيرة شباب الوطن من المبدعين والمبتكرين، في حفل جائزة الرؤية لمبادرات الشباب، وكانت المشاريع التقنية التي تفوز بالمراكز الأولى واعدة للغاية، لكن في المقابل لم يكن يُقدم لها الدعم المأمول، فهي ما زالت مشاريع تجريبية في أمس الحاجة لمن يأخذ بأيديها، وهنا نعوّل على القطاع الخاص ولا سيما الشركات الكبرى التي تخصص موازنات كاملة للابتكار والإبداع، ونأمل أن تجنّب جزءًا من هذه المخصصات للطلاب الدارسين للتخصصات التقنية، أو أصحاب الاختراعات الذين وهبهم الله ملكة العبقرية والذكاء القادر على الابتكار والتفكير خارج الصندوق.
إننا في خضم الثورة الصناعية الرابعة وعصر الذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية "الميتافيرس" وخوازرميات التواصل الاجتماعي وغيرها من التقنيات الرائدة، لا يُمكن أن نغض الطرف عن عدم إحراز مراكز متقدمة في مختلف المؤشرات ذات الصلة بالتقنية والابتكار؛ إذ لا عذر لدى أي جهة في الدولة، فالعقول الذكية والموارد المالية والخطة الاستراتيجية، كلها متوافرة ومتاحة فقط نحتاج إلى إرادة صلبة تتخذ القرارات دون رهبة، وتوافق على المشاريع بلا أي تردد.
ولنا أن نضرب مثالًا بتقنيات الجيل الخامس "5G"، وما ستحدثه من نهضة كبيرة في شتى المجالات، ليس أقلها السيارات ذاتية القيادة، ولا أكبرها السرعة الفائقة في تحميل وتنزيل الملفات عبر الإنترنت؛ بل هناك ما هو أعظم من ذلك، مثل إجراء العمليات الجراحية عن طريق التحكم في الروبوتات الطبية، وتقنيات إنترنت الأشياء وغيرها الكثير، ولذا توفر هذه التقنيات مجالًا خصبًا أمام العقول المُبدعة والابتكارات المتطورة.
ولكي تنجح استراتيجيتنا الوطنية للابتكار، لا بُد من السير في مسارين متوازيين؛ الأول تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية بأسرع وتيرة ممكنة، من أجل اللحاق بركب التقدم والازدهار، والثاني: التعاقد مع مؤسسات دولية لتوطين التقنيات الحديثة، وهناك نماذج عدة حول العالم نجحت في هذه الخطوة رغم أنها لا تملك سوى سياسات وقوانين مرنة ومُشجعة على الابتكار.
إننا ونحن في النصف الثاني من ثاني أعوام تنفيذ رؤية "عُمان 2040"، يزداد يقيننا بقدرتنا على تحقيق الإنجاز، متكئين في ذلك على صلابة إرادتنا النابعة من إيماننا القوي بأن عُمان تستحق من كل فرد يعيش على هذه الأرض أن يعطي بلا توقف، وأن يعمل ليل نهار من أجل رفعة وازدهار ونماء وطننا الغالي.
ويبقى القول.. إن السعي المتواصل من أجل تحقيق التطلعات يساعدنا في بلوغ الأهداف، ومجال التقنية والابتكار واسع ويتسع لأعداد كبيرة من أصحاب الكفاءات، ولكن يظل النجاح رهنًا بالتقيد بالخطط والعمل على تنفيذها، دون إبطاء أو تباطؤ، وبمتابعة مستمرة من الجهات المعنية، حتى نصل يومًا إلى ما نصبو إليه، ونقطف ثمار جهدنا وجهد كل مخلص من أبناء هذه الأرض الطاهرة.