"اسمعني" (1- 2)

 

خالد بن خميس المويتي

 

شرُفتُ حال تلقي دعوة الحضور لندوة "التأتأة بين العلاج الطبي والنفسي والتحفيز الاجتماعي" المختومة بإسم صاحب الدعوة الدكتور فؤاد الساجواني، هذه الندوة من تنظيم منصة "عيون" الرقمية التي سبق لها وأن أقامت ندوة حول واقع مرض التوحد في السلطنة، وها هي تعود وهذه المرة بالتعاون مع مبادرة عمانية تطوعية طموحة تأسست في عام 2020، تطلق هذه المبادرة على نفسها "اسمعني" وأرى في المسمى توفيقا ربانيا فبمجرد مرور اسم هذه المبادرة فإنه يرسل كمية من الإيجابية والتحفيز للحضور لأجل التعرف عليها.

وحال الوصول إلى مكان انعقاد الندوة التي استضافتها بكل حب وكرم بنك عمان العربي بمبناها الرئيس في العذيبة، تعرفنا على الأستاذ يعقوب النعماني رئيس المبادرة والذي أوضح أن هذه المبادرة تحمل على عاتقها همًا واحدًا يتمثل في إيصال صوت المتأتئين في عمان خاصةً والعالم عامةً لإخوانهم من الأصحاء مفادها أن المُتأتِئ شخص طموح لا تحجبه تأتأته عن مراتب النجاح والتميز.

اللافت للنظر أن جميع الأعضاء من المتأتئين ويستقبلون الأعضاء في المبادرة من عمر 14 سنة فأعلى ، ويخططون لافتتاح ملتقى صيفي يجمع المتأتئين من جميع الأعمار وخصوصًا من هم دون سن 14 سنة.

تولت دفة التقديم الندوة "نمارق الهاشمية" وهي مُتأتِئة طموحة كما تحب أن تطلق على نفسها، ولَكَم أكبرنا إصرارها على تقديم كافة فقرات الندوة التي استمرت قرابة الثلاث ساعات ، مع العلم أن التقديم يحتاج إلى استخدام حرف التاء والدال بكثرة وهما الحرفان اللذان يشكلان حجر التعثر للكلمات ناهيك عن نظرات الجمهور الغفير كل ذلك لم يفت في عزمها وتمكنت من تقديم أكثر من رائع وذلك بشهادة الجميع .

بدأت الندوة بعرض لمادة مرئية تناولت في مجملها وضع الطالب المُتأتِئ في أول يوم دراسي وما هي أكبر عقبة يمكن أن يصطدم بها في المدرسة، بعد ذلك تم اللقاء مع نماذج حية من المتغلبين على التأتأة مثل الملهم "خالد العامري" هذا الشاب العماني الذي يقول إن تقبل المُتأتِئ لنفسه هو حجر الزاوية في نجاحه وتميزه ، وذكر أن هذا الأمر أخذ منه ١٨ سنة كانت مليئة بالعزلة وعدم الظهور والخوف من الحديث أمام الناس ، ليكتشف أنه أضاع ١٨ سنة من عمر نجاحه والفضل لله أولًا ولمبادرة اسمعني ، ثم أضاف "العامري" الذي كان يخشى الحديث أمام زملائه أضحى اليوم مدربا في المبادرة ومتحدث جمهوري استطاع وبكل فخر التغلب على كل مخاوفه وحقق ما يصبو إليه من طموحات.

من الأمثلة الحية كذلك اللقاء بالبروفسور حسن اللواتي والذي اعتمد على نفسه من الصف الأول الابتدائي إلى الدراسة الجامعية فشهادة الأستاذية انتهاء بأن يحاضر في كبريات الجامعات، يقول عن نفسه كنت طالبًا لا يتكلم أبدًا في المرحلة الدراسية الأولى والسبب كان هو اعتقادي الجازم بعدم قدرتي على الكلام لدرجة أني كنت اضرب برجلي في الأرض عشر مرات حتى أتكلم كلمة واحدة فقط، سعيت جاهدًا لأقبل نفسي وعندما نجحت في ذلك وجدت أن طريق النجاح ليس محصورًا بفئة معينة من البشر، وإنما الجميع هم أهل لذلك وأنا اليوم أحاضر في مقر عملي لزملائي وقد يحدث أن يضحك أحدهم على تأتأتي فإذا نظر إليه الآخرون عتبًا أعلق بأنه لم يضحك مستهزئًا بل متعجبا إذ ما سبق له ربما وأن صادف إنسانًا متأتأ يقدم محاضرة، وقال : لا أزال أذكر ذلك الدكتور المحاضر في أحد المؤتمرات الأوروبية حين طلب من اللجنة المشرفة أن تمنحه وقتا أطول لأنه يتتأتأ ومن الطبيعي أن يعجز عن تقديم ورقته في الوقت المخصص لغير المتأتأين.

المذهل في الأمر أن البروفيسور حسن اللواتي قد بدأ بكلمته تاليا لآيات من الذكر الحكيم، ليُفاجئ بذلك الجميع، فكيف للمتأتئ أن يتلو القرآن بطلاقة كما فعل هو؟

تعليق عبر الفيس بوك