سياسة حافة الهاوية

علي الرئيسي **
تعود طبول الحرب لتقرع مرة أخرى في المنطقة، ورغم أنني لا أميل إلى رأي بعض الإعلاميين الذين يهولون المشهد كأن الحرب واقعة لا محالة، الا أن الوضع الآن أكثر تعقيدا بعد تعثر الاتفاق النووي الإيراني، بعد أن رفضت الولايات المتحدة رفع اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب.

البرنامج النووي الإيراني دخل مرحلة خطرة وحاسمة، فحسب مصادر أمريكية تملك إيران كميات كافية من اليورانيوم المخصب لتصنيع قنبلة نووية؛ فالمواد المخصبة لدرجة 60 بالمائة تحتاج لتخصب إلى 90 بالمائة لكي تكون جاهزة لاستعمالها كسلاح نووي. وإن هذه العملية التي تسمى بعملية الانطلاق (Breakout) تحتاج لأسابيع فقط، ويعود هذا إلى الخطوات التي قامت بها إيران منذ 2019، بعد تخارج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2015. ورغم أن هذه الخطوات وحدها لا تكفي إيران لتصنيع قنبلة نووية، ولكنها خطوة مهمة نحو ذلك. كما قامت إيران مؤخرا بحفر شبكة إنفاق شاسعة وذلك غرب منشأة ناتانز موقع الإنتاج النووي الأساسي؛ وهي منشاة نووية جديدة في عمق الجبال قد تكون قادرة على مقاومة القنابل الأمريكية الضخمة والهجمات الإلكترونية. ويعتقد بعض المراقبين أنها ورقة ضغط إيرانية على المفاوضين في فيينا.

ما زالت الدوائر الغربية والأمريكية بالذات تعول على منع ايران بالطرق الدبلوماسية، ويقدرون أن هناك أشهرًا أو سنوات حتى تتمكن إيران من الوصول إلى تحقيق هدفها. غير أن الولايات المتحدة والغرب يجهزان أنفسهم في حالة فشل الخيار الدبلوماسي؛ فالولايات المتحدة قد حذرت مرارًا من أن الخيار العسكري مطروح فيما إذا فشلت المباحثات الدبلوماسية. ويقول الدبلوماسي الأمريكي روبرت ميلي في مجلة "فورين أفيرز": "إن قدرات إيران وصلت مرحلة بحيث بإمكانها تصنيع وقود لصنع قنبلة قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من معرفة ذلك، فما بالك بالقدرة على منعها. وقد أعلنت وكالة الطاقة الذرية في بداية يونيو الجاري أن إيران تحتاج فقط لأسابيع للتمكن من تخصيب كميات كافية لإنتاج وقود لصنع قنبلة نووية، إلّا أن تصنيع قنبلة للاستخدام قد يستغرق سنتين على الأقل حسب تقديرات مسؤولين إسرائيليين، وفقًا لما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية".

وكتبت "فورين أفيرز"، في مقال لها مؤخرا، أن هناك 3 تحديات أساسية؛ الأول: ما الزمن المطلوب لإيران لتصنيع مواد كافية لتصنيع القنبلة. والتحدي الثاني ما الوقت اللازم للمفتشين الدوليين أو العواصم الغربية لتكشف عن هذه الأنشطة؟ والتحدي الثالث: ما الوقت اللازم للغرب ليرد بصوره مناسبة على هذه الأنشطة؟

وبناءً على تقديرات مسؤولين أمريكان، فإن إيران تحتاج لأيام فقط؛ لتتمكن من إنتاج مواد كافية لتصنيع قنبلة، بينما يحتاج المفتشون لأسابيع ليتمكنوا من اكتشاف ذلك، وخاصة بعد قيام إيران بإغلاق بعض كاميرات المراقبة، وتحتاج الولايات المتحدة لأسابيع لترد على تلك الخطوة. كما إنه من الواضح ان الولايات المتحدة تحتاج لوقت أكبر لحماية حلفائها في حالة ما قامت ايران بالرد على ضرب برنامجها النووي. إن قيام ايران بتخصيب اليورانيوم بدرجة 90 بالمائة لا يعني صنع قنبلة، فما زالت تحتاج إلى خطوات أخرى مهمة مطلوبة، ولكن وجود الوقود النووي الكافي لصنع قنبلة وتخصيب اليورانيوم بدرجة 90 بالمائة يعطي إيران ميزة نسبية مقلقة للغرب وإسرائيل وبعض الدول العربية.

إن هذا الى حد ما يفسر هذا التسارع الغريب من إسرائيل والولايات المتحدة بالعمل على تحشيد وإيجاد تحالف أو منتدى أمني يشمل دول الخليج، ومصر، والأردن، وحتى العراق، ليكون ذلك أولًا: ورقة للضغط على إيران لتتنازل عن شروطها في مباحثات فيينا، وثانيًا: في حالة فشل المباحثات القيام بعملية عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني. ويبدو أنه سيتم تتويج هذا التحالف في زيارة الرئيس الأمريكي بايدن المقررة في يوليو المقبل.

إن تنفيذ هذا السيناريو يواجه تحديات عديدة منها: إن عملية كهذه قد تؤدي إلى اضطراب في إمدادات الطاقة في وقت وصلت فيها أسعار البترول والغاز لأسعار خيالية، وبالذات في أوروبا الغربية وامريكا، وخاصة أن ارتفاع التضخم في الدول الغربية يهدد بسقوط الحكومات الحالية في هذه الدول، وأن الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة مهدد بفقدان الأغلبية في الكونجرس في الانتخابات النصفية القادمة.

إن الحرب ستؤدي إلى اضطراب أمني شامل في منطقة الخليج وربما إلى تدمير كبير لحقول النفط في المنطقة، يحدث ذلك بينما إسرائيل تعاني من خلافات داخلية كبيرة، وخاصة بعد سقوط الحكومة الحالية. أما مصر والأردن فقد تتعرضان للضغوط الأمريكية نظرا لحاجتها لتمويل موازناتها التي تعاني من عجوزات ضخمة، وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلدين. إن نصب الرادارات (بطاريات الصواريخ) الإسرائيلية في البحرين والامارات يشكل خطرا ليس على إيران فحسب وإنما على منطقة الخليج. وتبقى مصالح شعوب المنطقة مغيّبة تمامًا في سياسة حافة الهاوية هذه.

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية