د. محمد بن عوض المشيخي **
للإعلام الوطني أدوار ووظائف لا غنى عنها في الدولة المعاصرة من أجل تنوير المجتمع، وتثقيف المواطن الذي يعد الشريك الأساسي في إنجاح الخطط التنموية وأهدافها المرسومة من خلال الوزارات والأجهزة المختصة، وذلك في إطار السياسة العامة للدولة.
وبالاطلاع على تجارب العديد من الدول النامية التي حققت نجاحات رائدة في التنمية الوطنية المستدامة في مختلف القطاعات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فقد كان الإعلام حاضرًا وشريكًا أساسيًا ومُوجِّهًا لمختلف الأطراف الفاعلة من المخططين والمنفذين والمشاركين في تلك الخطط؛ فالرسائل الإعلامية الناجحة والهادفة والمخطط لها بشكل هادف، هي التي تخترق القلوب والعقول وتشجع أبناء المجتمع على العمل والاندماج في تحقيق الغايات المطلوبة، خاصة في مجال الخطط الموضوعة من قبل صناع القرار. ودورالإعلام هنا يجب أن لا يُختزل في نشر الأخبار المجرّدة والخاصة باستراتجيات الدولة فقط.
وإذا كان الإعلام العماني قد كُتِبَ له النجاح في بداية انطلاقه من بيت الفلج كإذاعة صغيرة بعد أسبوع واحد من تولي السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في يوليو عام 1970م، ثم ظهور الصحافة العمانية، والتلفزيون العماني، ووكالة الأنباء العمانية تباعًا؛ لتحقيق العديد من الأهداف الوطنية الواضحة وضوح الشمس، والتي حظيت بإجماع الحكومة والشعب على حد سواء في ذلك الوقت، والمتمثلة في تحقيق الوحدة الوطنية، وبناء دولة عصرية بما تحمله هذه الكلمة من معنى، وتثقيف المواطن العماني وتعليمه، ونقله من ظلمات القرون الوسطى إلى رحاب حضارة القرن العشرين من تطورات علمية ومتغيرات ثقافية، فانطلقت عجلة التنمية في كل شبر من أجزاء هذا الوطن العزيز من مسندم شمالًا إلى ضلكوت جنوبًا.
ومع مرور السنوات، وبعد تحقيق معظم الأهداف الوطنية المذكورة أعلاه، وتطور المجتمع العماني في مختلف مجالات التنمية، وبعد أن تخرجت الأجيال في الجامعات العالمية، حاملة أفكارًا وطموحات جديدة، وفق ما يتطلبه العصر ومقتضيات المرحلة. وكما هو الحال في الدول المحيطة بنا، لم يواكب الإعلام العماني المتغيرات الجديدة؛ بل انغمس في دوره التنموي القديم في عرض الإنجازات، وافتتاح المشاريع، والتركيز على ظهور المسؤولين في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، وإبراز افتتاحهم للمناسبات الوطنية فقط!! فنسي أو تناسى متطلبات المرحلة الجديدة التي يتوجب على القائمين على هذا القطاع المهم القيام به تجاه الجمهور، الذي أصبح متلهفًا للتحليل والنقد، والتعرف على أداء المؤسسات الحكومية والخاصة، وكذلك ما يتم إنجازه من المشاريع الحكومية والكشف عن المناقصات التي تقدر بمئات الملايين من الريالات وآلية إسنادها للشركات بكل شفافية.
ويعد عقد التسعينيات من القرن الماضي، علامةً فارقةً في عدم مواكبة الإعلام الوطني للطفرة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تعيشها السلطنة من جانب، وكذلك التحديات الكبيرة التي واجهت الدولة من جانب آخر؛ فقد ظهرت طوابير الباحثين عن عمل على أبواب الوزارات والمؤسسات الحكومية، وكذلك مخرجات الثانوية العامة الذين وصلت أعدادهم في ذلك الوقت إلى عشرات الآلاف، بينما تسوعب الجامعة الوحيدة في السلطنة -في ذلك الوقت- وكليات التربية والتقنية بضعة آلاف فقط من ذلك العدد. هذا فضلا عن عجز الصحافة عن مراقبة تجاوزات بعض المسؤولين في المجال المالي والإداري في مختلف أجهزة الدولة.
الواقع يشير إلى أن الإعلام الحكومي، الذي يتمتع بإمكانات ومخصصات مالية جيدة من موازنة الدولة، ويحتضن العديد من الكوادر المدربة ذات التأهيل العالي، يجد نفسه مكبلًا في كثير من الاحيان بالنظرة الرسمية، فهناك عدد من المسؤولين لا يفضلون ممارسة وسائل الإعلام لدورها المجتمعي، وأهم هذه الأدوار تفنيد السياسات ونقدها وتحليل الإحصائيات ومعرفة مكامن الضعف.
وبالاطلاع على أدبيات رؤية "عُمان 2040" الطموحة والتي نتمنى نجاحها خلال السنوات المقبلة، فإننا نجد بكل وضوح أن الإعلام لم يعطَ الأهمية المرجوة مثل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية؛ فالإعلام العماني يتمحور دوره في تسليط الضوء على الجهود التي تُبذل في محاور الرؤية وأهدافها النظرية والطموحات والتطلعات التي تصدر من هنا وهناك من القائمين على هذه الاستراتيجية، والتي تمر بسنوات التنفيذ الأولى.
ومما سبق، يبدو لي أن قطاع الإعلام العماني بحاجة إلى تطوير نوعي في التشريعات والقوانين، والهياكل التنظيمية والموارد والمخصصات المالية للكوادر الإعلامية، وقبل ذلك كله في رفع روح المعنوية ومنح الثقة والتقدير للعاملين في هذا القطاع من صحفيين ومحررين ومراسلين، مع تمكين الإعلام لأن يكون شريكًا أساسيًا في تنفيذ الرؤية، وناقدًا لأي إخفاقات أو تقصير من المسؤولين خلال العشرين سنة من عمر رؤية "عمان 2040".
لا شك أن أكثر ما نحتاجه في هذه المرحلة وجود إرادة سياسية عليا نابعة من المسؤولين المنوط بهم الإشراف المباشر على الإعلام، على أن تؤمن هؤلاء القيادات بدور الصحافة والإعلام كسلطة رابعة، تكرس كل إمكاناتها وأدواتها المهنية، للعمل بشفافية في كشف الحقائق للناس وتبصيرهم بها، مع حق الصحفيين في الحصول على الحماية القانونية، وكسر عقدة الحصول على المعلومات وتداولها من مصادرها؛ دون وجود أي نوع من الرقابة الحكومية.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري