د. خالد بن علي الخوالدي
تحمل هذه الحياة متناقضات غريبة وعجيبة، وهذه المتناقضات تعزز لدينا العمق الإيماني بالله سبحانه بأنه مقدر الأقدار ومغير الأحوال.. فبالأمس القريب كانت مؤشرات الحزن طاغية على قلوبنا في كافة أرجاء عمان على المفقودين في عرض البحر، واليوم فرحنا بعودتهم. استبشرت كل عمان بعودتهم سالمين وبصحة وعافية، ومع هذه الفرحة العارمة وفي هذه اللحظات السعيدة نُبصر من بعيد علامات حزن جديدة بقرار شركة حديد صحار تسريح 154 شابًا من شباب هذا الوطن.
هذا العدد كبيرٌ والألم شديدٌ والأيام حبلى بالجديد؛ فمسلسل تسريح الشباب العماني من أعمالهم متواصل ومستمر وكل يوم نرى مشاهد مؤلمة، وبطل هذا المسلسل يتستر وراء أعذار واهية وحجج باطلة لم يُنزل الله بها من سلطان؛ فعذر خسارة الشركات يمكن تأليفه بأي طريقة ترغب به الشركات، فعندما ترغب هذه الشركات في التهرب من دفع الضرائب ترفع من سقف المصروفات مقابل الدخل فتخرج بنتائج توحي بالخسارة، وعندما ترغب في تسريح الشباب العماني وتوظيفهم فيما بعد براتب 325 ريالًا تؤلِّف أساليب كثيرة ومتنوعة. وعددٌ من هذه الشركات استغل جائحة كورونا وبعضها استغل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية كشماعات لتسريح شباب الوطن، وفي كل هبّة رياح تَستغِل هذه الشركات الموقف لصالحها لتثبيت العمالة الوافدة وتسريح القوى الوطنية العمانية، بينما المؤسسات المعنية لا ندري متى تُدرك هذه الحقائق وتسن قوانين صارمة تحمي بها شباب هذا الوطن من هذه المكائد، وتعمل على استقرار الشباب في أعمالهم؟!
لا يصح أن نبني بيدٍ ونهدم باليد الأخرى، فمن ناحية ندعو الشباب للعمل في مؤسسات القطاع الخاص ونحفزهم ونحثهم على العمل، لكن في نفس الوقت نقف حائرين ومكتوفِ الأيدي أمام تسريح القوى الوطنية المستمر.
إن تسريح 154 شابًا من هذه الشركة يعني باختصار فقدان أكثر من 770 مواطنًا مصدر رزقهم إذا ما قدرنا أن متوسط الأسرة العمانية 5 أفراد. وحسب تقرير نشر في جريدة الرؤية العمانية بتاريخ 25 يوليو 2020 بلغ إجمالي عدد القوى العاملة الوطنية المسرحة من العمل في القطاع الخاص خلال الفترة من (2016- 2019) نحو 53886 مُسرَّحًا استنادًا على بيانات الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهذا الرقم كبير جدًا ومخيف! وإذا أسقطنا عليه نفس الحسبة السابقة فإن عدد الأفراد الفعليين المتضريين من هذا التسريح يصل إلى 269430 فردًا، وهذا العدد في ازدياد؛ فالإحصائية نهايتها عام 2019، ونحن الآن في عام 2022، فيما بلغ عدد المُستفيدين النشطين من منفعة الأمان الوظيفي حاليًا 11539 منتفعًا حسب آخر إحصائية.
إن القوى العاملة الوطنية بشركة حديد صحار تستغيث بوزارة العمل والمؤسسات الحكومية الأخرى لإخراجهم من هذا النفق المظلم، ومن جهتنا نرى أن حالات التسريح في تزايد مستمر مما يؤثر على سوق العمل الوطني، وعليه لا بُد من وضع تشريعات وقوانين تحد من هذه الظاهرة، كما يتعين على وزارة العمل إلغاء قرار الحد الأدنى للرواتب عند 325 ريالًا، فقد استغلته الشركات أسوأ استغلال لتسريح شباب الوطن، على أن توظّفَهُم أو توظّفَ آخرين فيما بعد براتب 325 ريالًا، بعد أن وصلت رواتبهم قبل التسريح إلى ما يزيد عن 500 ريال وبعضهم إلى 1000 ريال، وفي حالة أن وزارة العمل لا تستطيع تحقيق تطلعات الشباب؛ فعلى مجلس الوزراء الموقر تولي هذه المهمة الوطنية، ودمتم ودامت عمان بخير.