"شرٌ لا بدَّ منه"

 

 

وليد بن سيف الزيدي

"شرٌّ لا بد منه".. يعود تاريخ هذه العبارة إلى العام 2007، بينما نحن مجموعة من الأفراد كنا في حوارٍ حول مَسَاوئ العمالة المنزلية، ومن هذه المساوئ على سبيل المثال: انعدام الخصوصية التي يتمتَّع بها كل بيت، فتصبح مكشوفة للعيان من خلال البعض من تلك العمالة، ولدوافع مختلفة قد تكون مادية أو فكرية أو ثقافية أو عقائدية، وبالاستعانة بأجهزة الهواتف الذكية في بعض الأحيان.

وكذلك ما تُخلِّفه هذه العمالة المنزلية من تأثير على سلوكيات الأبناء، بحكم بقائهم معهم لفترات طويلة خلال اليوم الواحد. كما أنها تُسهم في غياب أدوار أفراد الأسرة الواحدة من آباء وأمهات وأبناء في القيام بأعمال المنزل المعتادة من تنظيف وغسيل وطبخ وري للمزروعات؛ فيترتب بذلك على المدى البعيد خروج أجيال غير قادرة على الاعتماد على أنفسها في أبسط الأمور الحياتية، فيما إذا أصبحتْ خارج دائرة العائلة كالالتحاق بالدراسة الجامعية أو الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحياة كالزواج وبناء أسرة جديدة. ومن ثمَّ بذلك تنتقل هذه الأفكار والسلوكيات من الأسرة الأصل إلى الأسرة الفرع، فيما إذا لم يتم مُعالجة الأمر من خلال التوعية والتثقيف الذاتي في جوانب الحياة الاجتماعية.

ومن هذه المساوئ أيضًا، المبالغة من بعض العمالة المنزلية في استخدام موارد البيت بشكل يُثقِل كاهل الأسرة من الناحية المادية؛ وذلك قد يكون بسبب العامل الثقافي لديهم، أو ضعف الوعي الديني حول الضرَّر المترتِّب على الإسراف في هذه الموارد.

ويُمكن لك أخي العزيز أن تتصوَّر العديد من هذه المساوئ التي يُمكن أن تظهر من بعض العمالة المنزلية.

نعم.. وبذلك يُمكن أن نقول إنَّ العمالة المنزلية "شرٌّ لا بد منه"، بمعنى أننا بحاجة إليهم رغم ضررهم في بعض الأحيان، ولكن هذا الكلام كان قبل عقد وأكثر من الآن. أما اليوم، فيمكن الاستغناء عنهم من خلال الإيمان بضرورة التوعية، ونشرها حول أهمية تغيير الثقافة المجتمعية بين أفراد الأسرة في قيامهم بأدوارهم المنزلية دون أي تحسُّس أو خَجَل، ومقتدين بمواقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مساعدة أهله في أعمال بيته. ويُمكن الاستغناء عنهم في ظل التطور التكنولوجي في استخدام بعض الأجهزة التي تُعِين على أداء أعمال المنزل في أقل وقت وجهد وتكلفة. كما أنَّ وجود المؤسسات المرخَّصة في مجال حضانة الأطفال في فترات عمل الأم يُساعد على الاستغناء عن تلك العمالة المنزلية. وأنَت بذلك أيضًا تكون قد أسهمت وبشكل غير مباشر في حل قضية الباحثين عن عمل وعملت بمبدأ تعزيز المواطنة.

نعم.. فهل يستطيع الجميع الاستغناء عن العمالة المنزلية؟ لا يمكنني الحكم على ذلك، فكلٌّ له ظروفه وأسبابه التي تختلف من فرد لآخر. ولكن هناك العديد من الأسر التي تستطيع الاستغناء عن العمالة المنزلية فيما لو حاولوا وفعَّلوا أدوار أفراد أسرهم في الأعمال المنزلية؛ حيث بذلك تتحقَق العديد من الجوانب الحسنة، والتي ذكرت البعض منها.

فهل يُمكن استخدام عنوان هذا المقال في جوانب أخرى من الحياة غير العمالة المنزلية؟

نعم يمكن؛ وذلك عند وقوع خلافات بين الأفراد من قريب أو بعيد، وفي جوانب مختلفة من الحياة. فمثلًا لو وقع خلاف بين موظف وآخر في نفس المؤسسة التي يعملان فيها، يصبح الأمر فيه شيء من الشر الذي لا بد منه عند اللقاء، بحكم ضرورة التعامل مع بعضهم بشكل يومي؛ كونهم ينتسبون إلى نفس المؤسسة. فيكون تقليل هذه اللقاءات التي من شأنها أن توقِظ ذلك الشر في النفوس جزءًا من العلاج.

كما يُمكن القول إنَّ استخدام الأسلحة المرخَّصة أو السموم ضد بعض الأنواع من الحيوانات التي قد تكُون سببًا في إلحاق الضرر بالمزروعات أو الممتلكات الخاصة "شر لا بد منه".

والله الموفق...،

تعليق عبر الفيس بوك