سأكتبُ بلا توقف

 

سعيد المعشني

في الثقافة دلالة واضحة على المعرفة الواسعة؛ بل الإدراك الذاتي المتأصل من مكونات رئيسة مثل البيئة؛ كون أن "الإنسان ابن بيئته" ولا بد أن يتصل الإنسان بمكون آخر مهم وهو المجتمع حيث يعد جزءا حيويا فيه فالإنسان بطبعه ميال إلى المَدنيّة؛ حيث إن احتكاك الإنسان بمحيطه الاجتماعي يكسبه ثقافة عالية، وثقة عظمى، ومقاوم نبيلة تجعله إنسانا مثاليا يفكر ثم يبدع ثم يبتكر من خلال التعلم والملاحظة والتجربة فإنه قد يكتسب أشياء نموذجية قد يبدأ بتطبيقها أو من جانب آخر يتقمص هموم غيره فيسعى إلى فهمها وتبسيطها ومعالجتها بقدر المستطاع ولا ندرك كل ذلك إلا بالكتابة فإن التخلي عن الكتابة إبادة للإنسان وإفساد للمجتمع.

وعندما قيل لي توقف عن الكتابة دون سبب تجاهلت ولم أبرر، فإن في الصمت هيبة وجسارة فلم أكشف حينها عما أنوي الكتابة فيه، فهذا المقال ليس ردا على من لا تعجبه كتابتي؛ بل هو كالمطر المبارك الذي أغسل به القلوب والأفئدة من أدرانها، وهنا أؤكد لهم- عزيزي القارئ- أنني لن أترك الكتابة لأنها عالمي المفضل أجد فيها لذة اسمي وراحة بالي وسلوتي المفقودة.

والكتابة عصارة ما ينتجه العقل من المعرفة إنها هبة الإله؛ بل مصباح مضيء يملأ الدنى حكمة وهدى فإن أضعنا الكتابة؛ تفشى الجهل وضل الناس ودمرت الحضارة فما قيمة الإنسان إن لم يدون؟ سيصبح بلا هوية! اسم مجهول، وحياة بلا غاية، ومضيٌ بلا دليل، على الرغم من وجود وسائل شتى، لكنها لا تغني عن الكتابة، فلولاها لضاع الدين وتاه الإنسان وضل السبيل ليعيش في عالم مجهول؛ بل لن يميز بين النور والظلام والحق والباطل والخير والشر... وهلم جرًّا. ولقد وُلد كل طفل من رحم مجتمعه ليحاكي لغة والديه، فبدأ بالنطق شيئًا فشيئًا حتى كبر وبدأ يتعلم الحروف ليكتب اسمه ثم الكلمات ليركب الجمل ثم أصبح قارئًا فلولا الكتابة لما استطاع الإنسان القراءة التي عرف من خلالها ذاته وكونه وسر وجوده في الحياة فعرف الله حق المعرفة وكتب بعضنا في عداد العارفين بالله جلَّ في علاه.

وتأتي الكتابة بالدُربة والاكتساب وأيضًا هي هبة من الله لخلقه، فإنها صنعة إنسانية صرفة تعتمد على العقل في تصور الأفكار والموضوعات المهمة التي تسخر خدمة للإنسانية بشكل خاص فإنَّ الغاية الأسمى منها ليست الكتابة فحسب؛ بل تحفيز وعي الإنسان على الإبداع والابتكار والسعي نحو المعرفة بشتى أنواعها ومجالاتها، فالكتابة هي القيم الإنسانية المثلى وثروة الإنسان المتجددة على مر العصور.

تعليق عبر الفيس بوك