الجهاز.. الدلالات والمترادفات

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي

كاتب وأكاديمي

نسمع بشكل دائم كلمة (جهاز) فيتبادر إلى أذهاننا الأجهزة الكهربائية والأجهزة الإلكترونية كجهاز الراديو وجهاز التلفزيون وجهاز الهاتف وجهاز الإرسال وغيرها.

ومن خلال التتبع التأريخي لهذه الكلمة يتضح لنا أن أقدم استخدام لها هو ما ورد عن قصة سيدنا يوسف في قوله تعالى "ولما جهزهم بجهازهم"؛ بفتح الجيم وكسرها، والتي تعني كل ما يحتاجونه من مؤونة لقابل الأيام وهو ما يطلق عليه باللهجة العُمانية (الراشن) المأخوذة من اللغة الإنجليزية Ration .

ثم استخدمت هذه الكلمة لجهاز العروس في مصر التي أعتقد أنها مأخوذة من كلمة (الجهاز) التي وردت في قصة سيدنا يوسف، وجهاز العروس هو كل ما يقدم للعروس من أدوات وأجهزة وفراش وأقمشة وغيرها. ومع ظهور الثورة الصناعية في أوروبا، تم اختراع بعض الأجهزة الكهربائية؛ كجهاز الراديو وجهاز التلفزيون وجهاز الهاتف. وعندما تطور الطب الحديث ظهرت معه مصطلحات ومسميات جديدة؛ كالجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والجهاز العصبي.

ولعل استخدام كلمة جهاز بمعنى مؤسسة إدارية هو الأحدث، والذي أعتقد أنه نقل إلينا من الإنجليز مترجمًا للكلمة Authority . ويلاحظ أن كل جهاز في جسم الإنسان يؤدي وظيفة محددة بالتعاون والتكامل مع الأجهزة الأخرى. كذلك الجهاز الذي هو مؤسسة إدارية لها وظيفة محددة، وتتعاون وتتكامل مع الأجهزة والمؤسسات الأخرى داخل الدولة. ويتضح لنا أن الجهاز مؤسسة مستقلة لها عمل محدد ومهام واضحة تتبع الدولة في العادة.

ويشبه بعض المختصين الدولة بجسم الإنسان فيقولون Body of The State . وبعض الدول العربية تستخدم مسمى الجهاز المركزي كالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

ومن هذه الأجهزة في عُمان جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وجهاز الاستثمار العماني وجهاز الأمن الداخلي، ويرأس الجهاز في العادة مسؤول بمرتبة وزير أو وكيل. ويوجد مسمى (جهاز) في بعض الوزارات؛ بمعنى أنه يمكن أن يكون تحت مظلتها أو جزءًا من تقسيماتها الإدارية.

وتذكرنا كلمة (الجهاز) بلفظة (الوزير) المذكورة في القرآن الكريم عند الحديث عن موسى -عليه السلام- في قوله تعالى: "واجعل لي وزيرًا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري"؛ حيث إن الوزير هو المؤازر والمساند؛ إذ لم يكن منصبًا معروفًا كما هو اليوم، ثم تطورت إلى أن أصبح الوزير مسؤولًا يدير مؤسسة.

والرابط بين الكلمتين القديمة والحديثة هو أن الوزير مساعد للحاكم أو لرئيس الوزراء ومؤازر ومساند له فيما يخص وزارته.

ومن المؤسسات القديمة الديوان التي ظهرت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب؛ كديوان العطاء وديوان الخراج وديوان الجند.

ومن المؤسسات الإدارية القديمة بيت مال المسلمين وهو وزارة المالية أو الخزانة العامة للدولة.

ومن المؤسسات الحديثة (مجلس النظّار) الذي بدأ في مصر في عصر الخديوي إسماعيل؛ حيث كان يطلق على الوزير مسمى (ناظر). وانتقل هذا المسمى إلى بعض الدول العربية ومنها عُمان التي وجد فيها ناظران في عهد السلطان سعيد بن تيمور الأول هو السيد/ أحمد بن إبراهيم ناظر الشؤون الداخلية، والثاني هو السيد/ شهاب بن فيصل ناظر الشؤون الخارجية. وكان يطلق على مدير المدرسة (ناظر المدرسة) ومساعده (وكيل).

وهناك تقسيمات إدارية أخرى منها الوزارة والديوان والهيئة والأمانة والقطاع والمصلحة كمصلحة الضرائب في بعض الدول والمديرية والإدارة والدائرة والمكتب Bureau كمكتب التحقيقات الفيدرالي ومكتب التربية العربي لدول الخليج العربية.

ويرى البعض أن حجم المؤسسة يعتمد على ما لها من فروع ومكاتب في المحافظات. ويتم دمج بعض الوزارات وفصل بعضها تبعًا لعدة اعتبارات.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة