لصياغة مستقبل أفضل

 

ظافر بن عبدالله الحارثي

 

المدرسة التي من شأنها أن تسهم في بناء الأمم هي مدرسة الفكر وبناء الإنسان؛ فالفكر قاعدة السلوك ومرتكز الشخصية، والإنسان هو الصانع والباني، والإنسان يعد عنصرًا من عناصر الدولة بجانب الإقليم والسلطة السياسية؛ لذا لم يكن مستغربًا أن تولي ديباجة النظام الأساسي للدولة جلّ اهتمامها في بناء وتمكين الشخصية العمانية؛ بل والحفاظ من خلاله على الهوية الوطنية وأمن الوطن وازدهارها مستندة في ذلك المنهج الصحيح في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح والتآلف؛ فخلوّ الإنسان من اهتمام أي قيادة ما هو إلا إهدار للوقت وبناء مؤقت بدون دعامات؛ لذا لا يكفي الاعتراف بأهمية هذا العنصر وحسب، بل يجب العمل على الاستثمار فيه حقيقةً.

ويتعين على كل إنسان فهم القانون فهمًا صحيحًا يدرك من خلالها مصطلحات مثل: (الدولة والمؤسسات، سيادة القانون والحكم على أساسه، الضمير العام للدولة، إدارة المجتمع، وغيرها…)، ليتمكن من اعتناق العقيدة الصحيحة، والأخذ بعين الاعتبار اعتبارات العدالة على صعيد مختلف القطاعات، بل والحرص ليس فقط على تحقيق  المصلحة العامة ولكن أيضًا السهر على حماية المصالح الخاصة وكفل الحماية اللازمة التي ترسي أسس الاستقرار والسلام.

إن سلامة الوطن أمانة في عنق كل إنسان مقيم على ذلك الإقليم، وهذا ما أكدته المبادئ الأمنية الواردة في النظام الأساسي لدولة كذلك، ومما لاشك فيه أن ذلك لا يتأتى إلا بالتركيز على الإنسان أولًا، قبل أن تولى العمران والحجر أكثر من حجمها؛ بل وقبل تعين حدود ذلك الإقليم؛ مما  يعيدنا إلى بداية المقالة التي وضحت من خلالها صراحة أن الإنسان بيده مقاليد الإحكام على هذا العنصر كذلك، وذلك بعد الإيمان بمفهوم الدولة والتسليم بأهمية القانون والنظام.

لعل القراء قد يلمسون من خلال قراءتهم تحيزي في الإعلاء من شأن القانون، وفي الحقيقة هذا صحيح، وذلك على اعتبار استناد هذه المقالة في الأساس على النظام الأساسي للدولة (القانون الأعلى للبلاد) المنظم لكافة شؤون الحياة المنبثق من الشريعة الإسلامية (أساس التشريع) أولا، وثانيًا لأنه هو المحور الرئيس لصياغة مستقبل أفضل؛ وذلك من خلال الحرص على تطبيق ما ورد فيها، والاحتكام به عند التقصير، والمطالبة والمساءلة والاستئثار على أساسه.

إن نهضة عُمان قامت من أجل الإنسان، وقامت من الإنسان نفسه؛ فهذه اللحظة ليست هي الغاية التي نقف عندها، بل علينا استكمال مسيرة البناء والتقدم، بفكر متجدد وروح وثابة تطمح إلى ارتياد الآفاق، مستقرئين المستقبل بذهن متوقد ومستشرفينه ببصيرة وحكمة.

تعليق عبر الفيس بوك