جنة الحب

 

سعيد المعشني

وطني جنتي التي لم أبح بحبها علانية خشية النفاق، وطني فلذة كبدي أخشى عليك من أعين الحاسدين والحاقدين، وطني راحتي الأبدية وسري الدفين سر المحيا وموطن الممات- بإذن الله- ترابك الطاهر يفوح عطرًا تحمله الرياح إلى كل بقعة فيك فإنَّ حبك لا يرتبط بمكان ولا بزمان، لأن حبك يا وطني ينبذ كل خبث ويخزي كل منافق كذاب ويكشف معادن الناس المحب من المبغض، والصادق من الكاذب، والمتمصلح من المخلص، والمتملق من الوفي.

وفي الآونة الأخيرة سقطت كل الأقنعة فإنك يا وطني أدرى بمن سخر كل ما يملكه لك من الذي سخَّر كل ما فيك لنفسه، أدرى بمن أحبّك لينتفع وأدرى بمن أحبّك صدقاً كونه يؤثرك على نفسه وماله وولده؛ لم يحبك من أجل المال أو المنفعة أو فتات الدنيا الزائل، فلقد أحبّ الترابط فيك والإخاء بين أهلك والمودة والتسامح في مبادئك، إنه ذل من يعاديك، وخاب وخسر من يسعى لخرابك إنك وطن مكتمل الأركان قوي البنيان شامخ الكيان، درعك الأمان، وحصنك متين بفضل القوي المنان.

وطني سحائب حبي لك أمطرت، فالذي يفسر الحب بغير الحب كالذي يفسر الماء بالماء فإني لا أرجو من وراء حبك نفعًا ولا فضلاً ولا إشادة ولا إعجابًا، إنه سر المحبة الأبدية فمن يرجو من وراء حب أمه منفعة أو مكسبا، وطنٌ كأمي التي أرضعتني وربتني صغيرا وأخرجتني من الجهل إلى النور وهذبتني بأفضل المبادئ والأخلاق لأكن خير من يحمل الرسالة وأعدل من ينطق بالحق عزيزا أمينًا محباً للخير كارهًا للشر.

إنه وطن قُرِن صلاحه بصلاحنا يبدأ من الفرد الواحد الذي ينتمي لجماعة تعدّ جزءا من مجتمع كبير يضم مزيجا متنوعا من الأعراق والثقافات تنصهر في قالب جسد واحد لتمثل لحمة واحدة تحت راية واحدة فإنَّ الصلاح لا يتحقق إلا بالحب الصادق فهو تجرد من حب الذات والأنا والتحرر من حب المال والسعي لجمعه، والتخلص من التزلف والتملق للحصول على الجاه والمناصب، كيف ذلك؟ بالحب الصادق للوطن لأنه ليس لي وحدي ولا لفئة دون أخرى.

إنِّه وطن الجميع نتشارك في حبه فإن أضحى الوطن لقمة في الفم أو قطعة نقود في الجيب أو منفعة لفئة دون الأخرى، فلتبدأ بالبحث عن طريقة أخرى للحب وسل نفسك الأسئلة الآتية؟ من يحبه؟ وكيف سنحبه؟ ولماذا نحبه؟

تعليق عبر الفيس بوك