مسؤولية الأسرة في محاربة الإلحاد

 

د. عامر بن محمد العيسري

حضرتُ ندوة "الإلحاد وحقيقة التوحيد" التي عُقدت جلساتها القيمة في جنبات جامعة السلطان قابوس، وهي مُبادرة مُهمة يستحق القائمون عليها كل التقدير لما ستثمره- بإذن الله- من نتائج تنويرية لعدد من فئات المجتمع ومؤسساته، بفضل ما تضمنته من أوراق عمل ثرية قدمها نخبة من المفكرين والعلماء.

جذبتني في الجلسة الأولى كلمات صارخة بثَّها الدكتور أبو زيد الإدريسي الضيف القادم من المغرب الأقصى؛ ليُقدم خلاصة رؤيته حول أسباب توجه بعض الشباب العربي إلى الإلحاد، وكان من صرخاته التي صدح بها ليفند تلك الأسباب حديثه عن موضوعين غاية في الأهمية بكل المجتمعات لهما ارتباط وثيق بالشباب وتنشئته؛ ليكون مُتسلحًا علميًا ومعرفيًا ودينيًا ضد تحديات العصر والعولمة وعلى رأسها الإلحاد؛ حيث أكد خطورة الخواء الفكري وانتشار صناعته في المجتمع العربي وانتشاره كالهشيم بين الشباب، كما أوضح أنَّ من أهم أسباب شيوع الإلحاد تراجع الدور التربوي للأسرة في المجتمعات العربية والإسلامية.

مظاهر الخواء الفكري لا تخفى على ذي بصيرة فهي ساطعة للعيان، يمكن أن نستشفها بكل سهولة ويسر دون الحاجة لإعمال بحث أو تحرٍ؛ حيث يُمكننا استنتاجها من خلال مجالسة الشباب والتحدث إليهم، لنلامس ما يشغل تفكيرهم ويشد انتباههم من تُرّاهات تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي والتي تتمثل في كل ما هو تافه ليس ذي فائدة مجتمعية، قد ينحصر في تعليق أو خبر لأحد مشاهير الشبكة العالمية أو التواصل الاجتماعي، فمثل هذه الاهتمامات جديرة بأن تُنسي الشباب قضايا الأمة المرتبطة بمصيرها ومستقبلها وقدراتها في مواجهة تحديات العصر. كما نجد من الشباب من تشغلهم الموضة والتقليعات ويقضون الساعات الطوال يحرقون أوقاتهم فيما لا يفيد من نقاشات هزيلة في مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب والبودكاست التي لا تحمل موضوعات أو قضايا ذات أهمية، فأصبح الشباب يتمثلون قول الشاعر :

إنَّ الشباب والفراغ والجدة // مفسدة للمرء أي مفسدة

أصبح الشباب يعاني من فراغ قاتل ويسير بلا هدف نحو مستقبل مجهول، يتخبط هنا وهناك فيكون عرضة لحملات الإلحاد التي تبثها قنوات مُمنهجة بخطوات مدروسة.

أما عن تراجع دور الأسرة التربوي، فحدث ولا حرج!! فقد أصبحت القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي تنوب عنها فتقوم بالواجب، لكن ليس على خير قيام، وذلك بسبب عدم وجود رقابة أبوية تسبقها رقابة ذاتية كان ينبغي أن يتربى عليها الأطفال منذ نعومة أظافرهم بين أسرهم وذويهم، فأصبح الطفل يخفض ركبه معظم وقته في حياته اليومية لهذه الأجهزة الصماء، يأخذ منها الغث والسمين بلا حسيب ولا رقيب، فتختلف بالتالي معه الأولويات فما كان من القضايا الحاسمة في بناء الأفراد والمجتمعات يصبح معه على ذيل القائمة إن لم يكن ساقطا عنها لانشغاله بقدوات باهتة لا لها في صروح العلم والمعرفة لون ولا رائحة، واهتمامه بمواضيع سطحية لا ترتبط بعمق الفكر المعرفي بناقة ولا جمل، فيتخبط الشباب بأفكار ترمي به بعيدا عن إطار الصورة الحقيقية للإنسان الفاعل في المجتمع الذي يستند على قدراته ومهاراته في بناء مستقبل الأمة.

آن الأوان لتستعيد المؤسسات التربوية والإعلامية مكانتها الصحيحة وتمارس صلاحياتها المخصصة لها لتبث رحيقها للناشئة والشباب وتنثر الفكر العلمي الرصين القائم على الدلائل والحجج والبراهين، وتقدم التوعية المخلصة الصادقة للأسر من الآباء والأمهات،  لكي يعملوا جميعًا أفرادا ومؤسسات للأخذ بيد الشباب العربي وحمايتهم من براثن الخواء الفكري وأنياب الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي وتنشئتهم على تحديد أهدافهم السامية وغاياتهم النبيلة التي تجعل منهم معاول بناء وليس هدم لمجتمعاتهم.

فعلى الأسر أن تُمارس القدوة أمام أبنائها في التعامل مع مختلف وسائل العصر التكنولوجية بكل حكمة واقتدار، وتبحث عن البدائل الجذابة والمحفزة للأبناء لكي يجدوا في بيوتهم وحياتهم اليومية ما يشغلهم من القضايا المهمة عن كل تافه وهزيل، وعلى وسائل الإعلام المختلفة أن تصنع محتوى إعلاميًا مبهرًا في شكله ومضمونه لا يترك للشباب فرصة لتجاهله والبحث عن غيره ليكون إعلاما متنوعا وواسع الانتشار في مختلف القنوات المسموعة والمرئية والمكتوبة متوفرا بقوة في الساحات الإلكترونية والافتراضية، ولا يتحقق هذا كله إلا بتكاتف الجميع أفرادا ومؤسسات حتى لا تبقى تحديات العصر عالقة في جعبة المجتمعات خانقة لأنفاسها قابعة بين مطرقة الخواء الفكري وسندان تراجع دور الأسرة التربوي.

أكاديمي بكلية التربية، جامعة السلطان قابوس

تعليق عبر الفيس بوك