تجلّي روبوت!

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

هذا المساء يختلف قليلا عمّا سبقه من المساءات، هدوء، نجوم. فراغ، لا صوت سوى صوت الليل، السّحب تصافح الجبال مبشرة باقتراب رياح المونسون الموسمية، مساء يفرض التجلّي، فالنظر للسماء ثورة في وجه القيود، تُؤجج نارا تحت الرماد، ماذا هناك؟!

كل ما في الأمر روبوت ينتفض بالتجلّي.

وترمز كلمة روبوت في اللغة التشيكية إلى العمل الشّاق، فهي مشتقة من الكلمة Robota وتدل في معناها على العمل الإجباري، ظهرت كلمة روبوت لأول مرة عام 1920 في دولة التشيك كعنوان لمسرحية للكاتب المسرحي التشيكي كارك تشابيك، وتعني بلغتنا العربية الإنسان الآلي.

كثيرة هي الروبوتات ومختلفة، تأكل، تشرب، تتنفّس، تحب وتكره، تظلم وتُظلم، تمرض وتشفى، تشعر بتبادل بالليل والنهار وتعاقب الفصول، تتحدّث بمفردات مطأطأة، ثم تأمل أن تحظى بمرونة مفاصلها والركض السريع قُدما.

جالت في ذهنه مباراة يعتبر نفسه أبلى فيها بلاء حسناً "جوووووول" هدف صاروخي بسرعة البرق يمزق الشباك، يالا الروعة، رأى نفسه ماهرا في تصويب الهدف، صوت النجاح يعلو حوله بشدة، قهقهات الحقيقة داخله تهدد إتزانه، يزمّ شفتيه بحذر ثم يبتسم ابتسامة الرضا ملء وجهه مهرولا بلذة النصر الصادمة نحو نفسه!        

عمل شاقُّ بالفعل أن تُسكن من قبل روبوت، يرتدي آدميا مُتحليا بالطموح، بينه وبين نفسه مسافة مائة عام من الحفر ووعورة الطرق، يجيد قفز الدرج والهرولة، واحتطاب الحطب والالتواء والخطف ببراعة، خبير في الترويج والسمسرة.

"عيد ميلاد سعيد" شمعة أخرى وعام جديد، حافل بالقفز والهرولة، يعجّ بالتلبية والدعاء، وموجة من الإشارات نذر نفسه رهن انتظارها، بين التمدد والانحصار.   

يقول لسان التجلّي هذا المساء قول الروائي السوري خالد خليفة في روايته، الموت عمل شاق "هذه ليست رحلة لدفن جثمان؛ بل هي رحلة لاكتشاف الذات، وكم أنّ الموت عمل شاق".

إذا كانت بعض الأوقات رغم مراراتها سبيل يؤدي إلى الذات، والموت عمل شاق كما قال الكاتب خالد خليفة، فما أشقى أن تكون الحياة أيضا عمل شاق، كأن تحيا روبوت ساذج، تخبرك لحظات التجلي أنك المظهر الخارجي لآدمي يتلبسه جماد!

لا بأس، لحظات التجلّي عادة تمزق الحُجب، إنها حقيقة الأمر، حتى السفينة في عرض البحر يقودها روبوت يقوده آخر، يُلقون فيها جميعهم تحية وتقديرا.

وفق قاعدة أرخميدس " قوة الطفو لجسم مغمور في سائل تساوي وزن السائل المزاح" فماذا يا أرخميدس عن تلبّس الروبوت لإنسان، كيف نحسب قوة التلبّس وما مدى قوة الدفع والإزاحة لديه، وهل من مقياس كالهيدرومتر لمعرفة مدى كثافة هذا الهراء؟

وماذا يا مرتشف القهوة عن موج وبرق وأفق في قاع فنجان! أما مللت شرب القهوة وتأمل عواصف آخر الفنجان، هل هي لوحات فنية كما تزعم، أم أنهما خوف وأفق يتجليان وبرق يخطف الأبصار؟

ألم تحدثك ترسبات القهوة أنها نجحت في خلق عاصفة من الضجيج تعتمل داخلك، ليس ريموت الروبوت وحده من فلح في تحريكك، بل مازال فيك متسع لبعض الإدارة.

هذا المساء يحمل بعض قسوة الحق التي تفرضها رغبة التجلّي، لكنه أجمل من بعض المساءات قبله، لا بأس ببعض الصدق مع الذات خاصة في أوقات كهذه، فرائحة المطر تبدو على مقربة من السواحل.   

حقيقة الأمر أن تجلّي الروبوتات مهما بلغت من الصدق الذاتي، ألا أنها في المرحلة الأخيرة من انتفاضتها تنتكس للحلف معبّرة بهدوء مخجل: ليس الأمر سهلا! وكأنها تعود إلى قيودها، هكذا قال الروبوت في آخر لحظات تجلّيه، مقنعا نفسه أنه البطل الذي استطاع تسديد الهدف المنتظر في آخر دقيقة من الشوط الإضافي الأخير، منقذا شباكه من مزاجية ركلات الترجيح، وسط تصفيق حار وهتافات الجماهير.