من غشنا فليس منا

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

الغش قضية خطيرة جدًا في كل التعاملات الإنسانية ولها آثار وخيمة ومشاكل على المستوى القريب والبعيد سواء للشخص أو المجتمع أو الوطن بأكمله، لذا حذرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم منها في الحديث المشهور والمحفوظ في قلب كل مسلم؛ حيث قال "من غشنا فليس منا"، والغش في الامتحانات من أكثر أنواع الغش خطورة وأكثرها تأثيراً على كافة المستويات.

نتحدث عن أمر مهم وجانب حساس من الجوانب التعليمية ونحن على مشارف بداية امتحانات الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي الحالي (2021/ 2022) والتي سوف تكون انطلاقتها غدًا للصفوف من 5- 11، ولا نقول إن الغش في الامتحانات أصبح ظاهرة، ولكنه حقيقة موجودة منذ سنوات طويلة. ولعلَّ كل من يقرأ رأى وشاهد ومرت عليه قصة من قصص الغش في الامتحانات، وطرق الغش في الامتحانات تتطور يومًا بعد يوم، ولها ابتكارات جديدة ومتنوعة سواء على المستوى المدرسي أو الجامعي، والطلبة الذين يمارسون هذه العادة السيئة قد لا يدركون خطورتها على شخصيتهم أو مجتمعهم أو وطنهم، وفي نظرهم المهم أنجح وأحقق الدرجة التي تجعلني من ضمن الناجحين والمتفوقين بأي وسيلة كانت. وهذه النظرة الضيقة والمحدودة قد تتحقق ويتحقق المطلوب منها ولكن تبقى وصمة عار في قلب صاحبها وهو يشق حياته في هذا العالم الكبير ويتذكر بين الفينة والأخرى أنه لا يستحق هذه المكانة التي أوصلته درجاته العالية التي كسبها بالغش وبأنه أحد الفاسدين الذين يفسدون في الأرض.

إن من يقوم بعملية الغش في الامتحانات قد ظلم نفسه ظلمًا كبيرًا، ومن يسهِّل عملية الغش أو يساعد عليها هو غاش لنفسه ولمجتمعه ولوطنه، ولا يدخل هذا الفعل في مسألة فعل الخير والمساعدة وتقديم المعروف، فالسارق لا أحد يقف معه ولا يتعاطف معه؛ بل الكل يطالب بمقاضاة الفاسدين والسارقين. والغش في الامتحانات أيًّا كان نوعه، هو سرقة لمجهود أُناس آخرين وحقوق مسلوبة، تُسلب من المجتهدين مكانتهم التي كانوا يجب أن يكونوا فيها، ومن يريد تدمير أي أمة فما عليه إلا بهدم التعليم والقيم الأسرية في كل مجتمع. وقد كتب أحد الأساتذة الجامعيّين لطلابه في مرحلة الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس رسالة مُعبرة، وضعها على مدخل الكلية في إحدى الجامعات في جنوب أفريقيا، كتب فيها: "تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى، وإنما يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم والسماح للطلبة بالغش".

ومن يتأمل حديث هذا الأستاذ بتمعنٍ يجد فيه المنطق الصحيح والفكر المستنير والواقع المرير إذا سمحنا بالغش في التعليم سواء المدرسي أو الجامعي، فكيف هو حال المرضى إذا كان الطبيب نجح بالغش، وهل هناك أمل في التطوير في مجال الإنشاءات والبناء والتعمير إذا كان المهندس نجح بالغش، وقس على ذلك كل التخصصات والأعمال، فإذا كنا ننادي بمحاربة الفاسدين في مؤسساتنا الحكومية والخاصة والأهلية والمجتمعية فمن باب أولى محاربة موضوع الغش في الامتحانات وعدم التساهل معه بأي وسيلة كانت.

ومن الطرائف المدرسية التي أتذكرها، ذلك المعلم الذي يجلس في آخر الصف، ولا نسمع منه إلا الشخير ليكون الصف بعد أول صوت شخير في مرج وصخب وتناقل للأوراق والإجابات، ومسكين ذلك الذي اجتهد طول الليل في المذاكرة، فقد فاقه الناقلون بالدرجات وفاقهم هو براحة الضمير.

حثوا أولادكم على المذاكرة والجهد والاجتهاد في التحصيل العلمي والمدرسي وقدموا لهم النصح والإرشاد والوعد والوعيد بضرورة الابتعاد عن الغش مهما كانت الأسباب ومهما كانت النتائج التي سوف تتحقق منه؛ فالغش في التعليم خطير عليه وعلى مجتمعه ووطنه.

ودمتم ودامت عُمان بخير.