هل هناك أسرة لن تغزوها هذه الآفة؟

 

د. عبدالله باحجاج

وقفتُ الأسبوع الماضي على قصص كثيرة في مجتمعنا المحلي، ومخيفة جدًا عن واقع المخدرات وآفاقها، ومن هول انتشارها السريع، اخترتُ لمقالي العنوان أعلاه، وهو يدق جرس الإنذار المرتفع، والحكمة تقتضي من كل أسرة أن لا تعتبر أبناءها في استثناء من الاستهداف مهما كانت درجة الاطمئنان، ولم تحتوي كل أسرة أبناءها، سنصل الى ما يطرحه تساؤل العنوان من آفاق زمنية قريبة، رغم إنني وفي خضم النقاش عن واقع المخدرات الان توارد الى ذهني تساؤل فيه ظلم التعميم، وهو: هل هناك اسرة لم تغزوها هذه الآفة؟ وهو يعبِّر عن هول ما سمعت من أولياء الأمور- نساء ورجال- عن إدمان أبنائهم.

وقد استقر بي القرار عند العنوان أعلاه، والفارق بينهما جوهري، رغم أن الاختلاف في حرف واحد، وهو "لم" واستبدلته بـ"لن". فلو ظل حرف "لم" لأعطى التساؤل مفهوم التعميم الآني، بينما يعطي حرف "لن" المفهوم ذاته في المستقبل مع جعل مداها الزمني مفتوحًا، كأن يكون قريبًا أو متوسط أو طويل الأجل. ورغم ذلك، فإن استقراري على العنوان أعلاه، لا يفرّغ محتوى الرسالة التي اريدها أن تصل للمجتمع والحكومة، فالتساؤل المستقر عليه في العنوان، يعبر عن مسألتين هما: أولًا: حجم الظاهرة الان، وثانيًا: مآلات مستقبلها.

والمسألة الأخيرة مرتبطة بالحاضر، وهي تتعلق بمدى تكاتف الحكومة والمجتمع معًا في محاربة هذه الافة المدمرة للفرد والمجتمع، ودون ذلك، أي اذا استمر دورهما الحالي كما هو، فإن التساؤل المطروح: هل هناك أسرة لم تغزوها آفة المخدرات؟ واقعًا مؤلمًا، وأتمنى أن يلقط هذا التساؤل كل أدوات استقبال المتلقين المستهدفين به، ولا يعتبروا أنفسهم بمنأى عنه، فالكل في سفينة واحدة؛ فالمخدرات بمختلف أنواعها تنتشر الان على ظهر هذه السفينة بصورة تدعو للخوف فعلا، وهنا لا بُد أن ننطق الواقع كما هو، لا كما ينبغي، ونجلد سلبياته غير المبررة.

وكل من استمع لأولياء أمور متعاطين ومدمنين، لن يقول أنني ابالغ أو اضخم القضية، لن أكشف هنا الخصوصيات حتى لو في العموميات، وانما سأركز هنا على ما طُلب منى اثناء اللقاء من التعبير عنه، وهو معاناتهم في علاجهم؛ حيث لا يوجد مركز محلي في ظفار للعلاج، حتى الان، رغم انتشار الظاهرة، وليس بمقدور هذه الاسر ان توفر 1500 ريال شهريًا لعلاج مدمن واحد فقط في مسقط، وفق ما افاد به أحدهم، فكيف باثنين؟!

وقد توجهّت بجزئية العلاج لمسؤول محلي مختص، فاعترف بعدم وجوده، وربطه بالانتهاء من إقامة المستشفى الجديد في ظفار، ولا اتفق مع هذا الربط، لأن المركز أو المصحة العلاجية للمدمنين لن يقام داخل هذا المستشفى، فهو سيكون مكانًا مستقلًا، وكأن يكون في المبنى القديم.. مثلًا، لذلك تدعو الحاجة العاجلة الى إقامة هذا المركز / المصحة بالتعاون مع القطاع الخاص من بنود المسئولية الاجتماعية، وهذه الخطوة لا يقدر أهميتها الا الذين يقفون على واقع المخدرات وقضايا الإدمان، ومعاناة الاسر، وكذلك أنواع المخدرات الجديدة التي تغزو بلادنا من الخارج، واخطرها ما يسمى بـ"الكريستال " التي أسعارها في المتناول، فالعلبة التي تحتوي على 100 حبة قيمتها 25 ريالًا، وفق ما افادني به احد أولياء الأمور.

والمركز / المصحة العلاجية ليست وحدها الغاية، وانما تظل القضية الأساسية العمل بصورة جماعية لحماية شبابنا من هذه الافة.. لكن، كيف؟!

الكيفية تحتم التوقف قليلًا عند السلبية المطلقة، باستثناء الابطال الذين يعملون في مكافحة المخدرات الذين يتعرضون لمخاطر كثيرة، فكل التحية والتقدير لهم. وهذه السلبية نحملها ظاهرة انتشار المخدرات. وهناك قياس موضوعي لهذه السلبية المطلقة، لن يختلف معي أحدٌ عليه، ويبدأ من السماح لظاهرة غزو محلات التبغ داخل الاحياء السكنية وبالقرب من المساجد والمدارس، واعتبرُها البوابة الأولى لتعاطي المخدرات، وللأسف هي في متناول الشباب ماليًا ومكانيًا، فبمجرد أن يخرج الشاب أو حتى الأطفال من منازلهم أو مدارسهم، سيجدون هذه المحالات أمامهم مباشرة، وبلافتات مثيرة ومستفزة جدًا، ولا تعكس التنظيم المدني للساكنة الاجتماعية، مثلا "لدينا أفضل الدوخات والمداويخ" وكذلك "لدينا دوخة إيرانية، ودوخة فلبينية، ودوخة بمزاج خاص"، وقد كتبتُ عنها عدة مقالات بعد عمليات استقصائية ميدانية، ووجدتُ في حينها، ان هذه المحلات تقدم الدوخة الأولى بالمجان؛ كوسيلة إغراء لإغراق الشباب في مستنقع الدوخات.

وبعد عملية التصعيد ضد هذه المحلات، رأينا تجاوبًا ملموسًا في النتائج، فقد أُغلقت بعضها، خاصة تلك التي تقع قرب المدارس وداخل الاحياء، لكنها عادت الآن أكثر من السابق، وتصوروا أن الشباب الذين اعتادوا على الدوخات والمداوخ، ستدفع بهم سيكولوجيتهم الى اقتحام دوخات الكريستال مثلًا! وتصوروا الشباب الذين يفقدون الامل في المستقبل بسبب سياسات وخطابات الإحباط وغيرها، كلهم بمثابة مشاريع مستهدفة إما للتعاطي أو للترويج او للتجارة. فكيف اذا ما اضفنا اليها العامل المالي للأسر الذي يتقلص بسبب التقاعد الاجباري وبالضرائب والرسوم؟ فشاب له ليس لديه مصروف يومي، وفاقد الامل في مستقبله، إلى أي مدى ومتي سيصمد في وجه اغراءات تجار السموم؟!

هنا نوجه الرسائل العاجلة الى المؤسسات التالية:

* المجلس البلدي في محافظة ظفار.. ينبغي العمل على حمل البلدية على اغلاق محلات الدوخات والمداويخ في الاحياء وقرب المدارس والمساجد عاجلًا، ووقف الترويج لها الخارجي بشعارتها غير الحضارية، والمسيئة لثقافة وأصالة المجتمع، وقد ناشدته مرات ثم مرات ثم مرات، ولا حياة لمن تنادي، فهل أؤجل مناشدتي إلى أعضاء الفترة الثالثة للمجلس؛ حيث سيتقدم اليها شخصيات لديها الهواجس الاجتماعية مرتفعة، ونظام المحافظات والمجالس البلدية الجديد يمنحهم الفعل المحلي المستقل، وهنا ينبغي أن نختار الأفضل لهذه المرحلة (سيكون لي مقال في الوقت المناسب).

* مكتب وزير الدولة ومحافظة ظفار.. والدعوة الى عقد ندوة إقليمية تشارك فيها الجامعات، والكليات، والمدارس، ومجالس الآباء، والأندية، والشيوخ والاعيان، والجوامع والمساجد، وجمعيات المرأة؛ لتبيان حجم الظاهرة، ومستقبلها، وخطورتها على الفرد والمجتمع، ويصدر عنها خطة عمل تنفيذية ممنهجة عامة وتفصيلية لكل مؤسسة من تلكم المؤسسات.

* المؤسسات الأمنية المتعلقة بهذه القضية.. مع تسجلينا مجددًا كل التقدير لجهودها الكبيرة في المكافحة، إلّا أنها تحتاج لتحديث الأطر والكوادر، وتمكينها من كل وسائل التقنية الحديثة الجوية والارضية والبحرية حتى يكون نجاحها مستداما ورادعا، وربما حتى قبل أن تدخل السموم مياهنا وارضينا.

* الشيوخ.. واذا لم يشعروا الآن بالخطورة من قضية المخدرات على أبنائهم والمجتمع ويتحركوا من أجلهم، فماذا سيحركهم ومتى؟ فهذه القضية فرصة لهم لإعادة انتاج دورهم الاجتماعي والوطني، ولو كان دورهم فاعلٌ، لما كان موقف البلدية والمجلس البلدي المنتخب سلبيًا من قضية الدوخات والمداويخ المنتشرة في تلكم الأمكنة المشار اليها.

* الأسر.. لنتحدث ولا حرج، لكن، لو قامت الجهات- سالفة الذكر- بأدوارها كما يجب، لحملت معها الاسر تجاوبًا؛ فالأسر هي نتاج تراكمي تاريخي تأسست حديثًا على الاتكالية والمظهرية، لذلك الرهان هنا أولًا على مبادرات عقلاء المجتمع، ويبدو أنهم لم يفعِّلوا خاصية العقل حتى الان، لكن أتمنى أن تكون صحوتهم في الوقت المناسب.