الوصول للسعادة

نور بنت محمد الشحرية

الجميع منذ بدء الخليقة، وهم في بحث عن السعادة، ولولا هذا البحث الدؤوب عنها لما تطورت البشرية، وتدرجت في عصورها التاريخية المختلفة، وذلك حسب الأدوات المستخدمة في توفير مصادر الغذاء ونوع الرفاهية في معيشة الأفراد والمجتمعات.

البحث عن السعادة يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر حسب ما ينقص كل باحث عنها، فالدول التي تعصف بها الحروب والمجاعات جل اماني شعوبها، الأمان وان تخرج من مثلث الجهل والفقر والمرض،وان ينعموا بالحياة والموت والدفن في اوطانهم بكرامة.

والدول المستقرة الأوضاع الأمنية تتجه أماني شعوبها الى الرفاه الاجتماعي والمادي في ظل دولة مؤسسات توزع الخيرات والمقدرات على الجميع بالتساوي.

وعلى المستوى الفردي يختلف البحث عن السعادة لدى الأشخاص حسب امانيهم وطموحاتهم لأنفسهم واوطانهم، وحسب ما يجده كل فرد من نقص يود له الجبر ولنفسه الكمال بالوصول اليه.

والمؤكد ان من يبحث عنها ليسعد وحده فلن يجدها في قلبه، فالنفس الطماعة لا تكل ولا تمل من الزيادة، وكل باحث عنها في المظاهر هالك لا محالة، سيفنى هو قبل أن تكتمل أركانها في قلبه، فهناك الأجمل أن وصل للجميل وهناك الأروع إن تمكن من الرائع وأن أكتمل ما يبحث عنه فلماذا لا يصل للكمال، وكانه يطارد السراب، يقول الفيلسوف الهندي المهاتما غاندي "نبحث عن السعادة بعمق ثم نجدها في ابسط الأشياء".

السعادة هي الطريقة التي تعيش بها حياتك، وكلما استمعت لروحك، كلما سمت بك فالروح سماوية تسمو بك فتبتعد عن الماديات التي هي "سوسة السعادة"، ومن فهم الدنيا وتقلباتها، عرف كيف يحتال عليها بالاستقامة، فاستقر حاله فيها وامن سوء غده.

لقد خلق الإنسان لمهمة واحدة هي إرضاء الله بالعبادة والطاعة، وما دون الله دون، من آمن بذلك ملأ قلبه اليقين أنه سعيد أن أعطي  ما يريد أو حرم مما يريد، الخيرة دائما خيرة الله.

ومن يصنعها  للآخرين سواء اشخاص أو مجتمعات، فمع كل كلمة شكر تقال له وابتسامة عرفان يراها يجد لها لذة في وجدانه واطمئنان في قلبه يجري منه مجرى الدم في الجسد، فينشط لتقديم المزيد ويسعد ببذل كل ما لديه في سبيل الخير.

من أرادها كاملة فليبحث عنها في عمق قلبه، يسكن لنفسه بهدوء ويتفكر في كل اموره وما يملكه والشعور بنعمة ما تملك بحد ذاته نعمه ، البعض لديه كل أسبابها ولكنه في نقمة من نفسه لا يجد للسعادة  طريقا الى قلبه، وآخر يكاد يكون معدما من أسبابها الظاهرة للعيان وقلبه عامر بالرضا منعم بالرحة والدعة، هناك من انشغل بما ليس لديه عما لديه فأشقى نفسه، وغيره قنع بما لديه ايمانا واحتسابا ورجاء لما عند الله فسعد و أسعد من حوله.

لعل قمة السعادة أن يتحقق لك ما تتمنى، الطموح جميل نعم، ولكن على كل شخص أن يميز بين طموح يمكن الوصول اليه بالجد والعمل وتطوير الذات، وبين أمنية يعوقه للوصول اليها أسباب خارجة عن ارادته، فملاحقة سراب الأماني وتشتيت الفكر في مستحيل لن يصل اليه، يعد تضييع لاطمئنان القلب مجلبة للقلق والكدر والعيش في توجس من غد، لربما ان وصل الغد كان هو ماضيا الى عالم آخر، فهذا هو الخسران بعينه، ارضي بم قسم لك ولا تقف عند أماني لربما تحققها شر صرفه الله عنك.

ولعل أجمل وصف إذا ابحرت في معانيه استشعرت عظيم النعم وفاض قلبك شكرا وحمدا، قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها) صدق الصادق الأمين، جمع جميع الأسباب التي إن لم يوجد  أحدها فلا معنى لكل الأماني وبهرجة الدنيا وزينتها.

قيل أن السعادة تنتقل بالعدوى، جاور السعيدين لتسعد، جاور من ينتشلك من أحزانك، من يهون عليك الصعب ويصمد معك للمحن، ويتجاوز عن الزلل، من لا يقف عند كل عثرة، ويمد لك يده لتكمل المسيرة، مما راق لي في هذا المعنى مقولة (اليد التي تنهضك عند تعثرك خير من ألف يد تصافحك عند الوصول).

دلل روحك بالتأمل، وهذبها بالصبر، وكافئها بالترفيه المشروع، وجنبها المنغصات، والزمها فطرتها والفطرة أنك مخلوق للعبادة، اشحن قلبك بذكر الله، وإن كنت عاصيا أو مقصرا لا تيأس (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) ومن استغفر غفر له، أنت تتعامل مع الرحمن الرحيم، فلا تحرم نفسك بذنبك فتغرقها، اسبح بها لبر الأمان بالتسبيح وانجو بها لتسعد في الدارين، واحمل بين طيات دعاءك كل من تحب ليجمعك الله بهم في اعلى عليين، وأنفض عن روحك الأحزان وأثمها فما هي الا من الشيطان، قال تعالى: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

تعليق عبر الفيس بوك