جابر حسين العماني
المتأمل في الأحوال الاجتماعية في المجتمع الخليجي سابقًا يرى بوضوح كيف كانت الدول الخليجية تعيش الأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي، بسبب نسيجها الموحد، وبساطة الحياة الاجتماعية بين أفرادها، فقد كان أهل الخليج لا يعرفون إلا الاحترام والتقدير والإجلال للعادات والتقاليد الاجتماعية والدينية في الداخل الاجتماعي.
والمتأمل في أحوال البيت الخليجي آنذاك يتبين له بوضوح كم كان أهل الخليج يعيشون النقاء والجمال والأصالة والمحبة والوفاء والإخلاص فيما بينهم، ففي تلك الأيام نادرا ما ترى وتسمع عن الجرائم والعداوات في البيت الخليجي. كان الخليجيون يتعايشون فيما بينهم على أحسن ما يكون، فلا ترى بينهم إلا الأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي في أسرهم ومجتمعاتهم، اجتمع أهل الخليج على قلب واحد، الجار يهتم بجاره، والصديق يسعى لاحترام أصدقائه والأخ لا يعرف إلا الحب والخير والنجاح لأخيه، كانوا يعيشون على فطرتهم التي فطرهم الله عليها، فلا تجد بينهم الكراهيات والمشاحنات والضغائن إلا ما ندر، فقد كان يسعى الجميع لتوفير الأمن والاطمئنان والاستقرار فيما بينهم ليتعايشو بسلام آمنين.
اليوم- ومع كل الأسف- تطورت الحياة في المجتمعات الخليجية وأفرزت لنا واقعا مختلفا تماما عن الواقع الذي كان يعيشه الأجداد، واقعا مريرا سلب منا الكثير من الاطمئنان والاستقرار النفسي، بحيث أصبح المجتمع الخليجي يعيش الكثير من التوترات والقلق والفتور في الحياة الاجتماعية، لذا قل الأمن الاجتماعي كثيرًا، مما ساعد على انتشار الجرائم البشرية وتفاقمها وتكاثرها بشكل ملحوظ بين أفراد المجتمع، ففي كل يوم لا يسمع السامع عبر أدوات الإعلام الخليجية المرئية والمقروءة ووسائل التواصل الاجتماعي إلا جرائم العنف والسرقة والقتل ونهب الممتلكات والاغتصاب، وهتك الأعراض، وتعاطي المخدرات وشرب الخمور، وكثرة العلاقات المحرمة بين الجنسين، وظهور ما يسمى بـ"المثلية" وتشبه الرجال بالنساء، وغيرها من المآسي الاجتماعية في الخليج والتي جعلت الكثير من أبناء البيت الخليجي اليوم يبتعدون عن دينهم وتقاليدهم وأصالتهم العربية والخليجية.. فيا ترى إلى أين يسير المجتمع الخليجي؟
كم هو مؤسف عندما نقرأ الكثير من التقارير المعلنة والصادرة من الجهات الأمنية والرسمية في الدول الخليجية والعربية والتي تتعرض بشكل واضح إلى الكثير من معدلات الجرائم وانتشارها بين أفراد المجتمع الخليجي والعربي، هذا فضلا عن انعكاس ذلك على مراكز الإحصاء الدولية وكمثال على ذلك الإحصاء السنوي الذي تقوم به منظمة Global Initiative التي يشترك في المساهمة فيها أكثر من 500 من خبراء الشبكات في جميع أنحاء العالم، ونظرًا لتنوع الأرقام وطولها وهو يتطابق مع الإحصاء السنوي الأخير 2021 للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات في السلطنة- كمثال- والذي بلغت فيه الجرائم 11312 جريمة، وشكلت نسبت المواطنين فيها 46%؛ أي ما يقارب النصف من تلك الجرائم، وهكذا في بقية دول مجلس التعاون.
شكلت هذه الإحصاءات الرسمية صدمة لأبناء الخليج لم يتوقعوها، فقد كانوا يظنون أن مسارح الجريمة موجودة فقط عند غيرهم من الدول الأخرى وأنهم ما زالوا في مأمن وسلام، وإذا بهم يتفاجؤون أن جرائم الدول الأخرى انتقلت إليهم وأصبحت تنخر في البيت الخليجي، وللأسف أصبح أهل الخليج اليوم يشعرون بالوحدة والانعزال عن المجتمع؛ إذ أضحى الكثير منهم تحكمهم الأنظمة الرأسمالية والاستهلاكية والتكنولوجية التي استطاعت سجن الإنسان الخليجي والعربي وجعله يعيش هم الخلوة مع هاتفه وآيباده وكمبيوتره بعيداً عن ذاته الإنسانية الحقيقية، وواقعه الاجتماعي الذي يجب أن يتعايش معه كما كان الأجداد يتعايشون، لذا جعلت تلك الأنظمة من الإنسان الخليجي البسيط جزءا من القطيع الضال والمضل في المجتمع البشري.
هناك أسباب كثيرة كانت وما زالت سببًا واضحًا لابتعاد الكثير من أبناء البيت الخليجي عن العادات والتقاليد الاجتماعية والإسلامية الموروثة والتي جعلت الجرائم في ازدياد واضح في البيت الخليجي ومن تلك الأسباب:
1- ضعف دور الأسرة وتأثيرها على الأبناء، إذ كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ) وكما قال حفيده الصادق: (لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ).
2- الانفتاح على الثقافات الغربية والأجنبية التي لا صلة لها بالدين والعقيدة، والتي جعلت من البعض ينسى تقاليده وعاداته وحياته الاجتماعية والدينية التي تربى وترعرع عليها.
3- ضعف الوازع الديني والجهل بالحكم الشرعي للجريمة وابتعاد الكثير من الناس من الاستفادة من العلم والعلماء فقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28).
4- السماح بدخول الأفكار الضالة والمضلة إلى البيت الخليجي تحت شعار الحرية الشخصية.
5- تفشي البطالة وعدم الاهتمام بالتوظيف وعدم توفير ما يحتاجه المواطن الخليجي من قبل بعض دول الخليج التي يقطن فيها.
6- ضعف التوعية الاجتماعية وتركيز الإعلام الخليجي بنشر التوافه والابتعاد عن ترسيخ فكرة الأخلاق والقيم والمبادئ الانسانية والدينية بين الناس إلا ما رحم ربي.
7- انتشار الكثير من الأفلام والألعاب الإلكترونية التي تظهر للمتلقي جمال انتصار الشر على الخير مما تسببت في خلق جيل محبا للعنف الأسري والاجتماعي.
8- وجود عصابات وأفراد منظمة تعمل في الفضاء الإلكتروني والفضاء الواقعي على انتشار الجريمة لأهداف وغايات..
وأخيرًا.. إن الوقاية من الجرائم وشرها يتطلب تثقيف المجتمع بأهمية حل المشكلات، وكيفية مواجهة الأزمات بشكل يليق بإنسانية الإنسان في مجتمعه ووطنه، بحيث يكون أفراد المجتمع قادرين على قبول الرأي والرأي الآخر، كما ينبغي أيضا تدريب أفراد المجتمع على حب النقد البناء وتفعيل المؤسسات الدينية والسماح لها بالقيام بدورها الفاعل في المجتمع، فمن خلال الدين والعلماء يستطيع المجتمع معرفة الأحكام الشرعية التي من خلالها يستطيع الجميع تجنب الوقوع في ساحات الجريمة.