المُقارنات المُستفزة لا تَبني أوطانًا جميلة

 

حمد الناصري

قرأنا في قصة هدهد سليمان في القرآن الكريم ما شاهده ذلك الطائر في مملكة سبأ؛ حيث ذكر أنه رأى امرأة تحكم قومًا بأرض اليمن، وفي نفس الوقت كان يُشير ضمنًا إلى أنّ قوم بلقيس ورجالها قد زُيّن لهم، فاغتروا بما وصلوا إليه من سِعة الرزق وبحبوحة الحال، فكفروا بأنعم الله، واتخذوا الشمس إلهًا، فسجدوا لها وعبدوها من دون الله فكان الهدهد وهو على صِغَر عقله وكونه حيوانًا صغيرًا في مُنتهى الوعي والذكاء، فلم تُبهره بَهرجة وفخامة وغنى تلك المملكة، ولكنه أسف لحالهم لأنهم يَسجدون للشمس من دون الله.

نأخُذ من تلك القصة التاريخية عِبرًا ومَفاهيم تنطبق على واقعنا، وأخصّ هنا ما يُنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فنرى بعض الذين لم يصلوا بَعد لمستوى وعي وإدراك هدهد سليمان يُسارعون بنقل أخبار الدول الأخرى الجيدة فقط ومن وجهة نظر مادية بحتة وطرحها للمُقارنة المُشوّهة مع بلدنا الغالي.. ويبدأون في إطلاق التغريدات الهزلية، وإجراء مقارنة بين الواقع المعيشي في تلك الدول وبين الواقع المعيشي في وطننا العزيز عُمان بتاريخها ومكانتها ومقامها، وكأنّ المُقارنات يجب أن تكون دائمًا مع الدول الأغنى، ولا يجوز المُقارنة مع الدول ذات المستوى المعيشي المُشابه أو الأقل مُستوى! وكأنّ الوطن بالنسبة لأولئك القلّة عبارة فقط عن بَقرة حلوب إذا قلّ حليبها أو توقف لا سمح الله فسيذهبون إلى غيرها ويتنكّرون لخيرها وحليبها الذي عاشوا عليه قرونًا من الزمن.

لقد مَنّ الله تعالى على بلادنا العزيزة بقائد هُمام وحكيم ومُخلص رشيد هو حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي تولى مقاليد الحكم في أصعب المراحل التي قد يمر بها أيّ بلد من فقدان الأب الروحي، وكانَ ذلك الأب هو السلطان قابوس عليه رحمة الله، وكذلك انتشار جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط إلى الصفر، وتكدّس الديون، فضلا عن صُعوبات كثيرة.

إنّ قمة الجحود والأنانية أنْ يطلب الابن مِن أمه أكثر من طاقتها؛ لأنه أولاً يُنكر ما قدّمته وتُقدّمه له وثانيًا يُعمي الطمع والجشع عينه فلا يَرى ما يُعانيه غيره!

ذكر أحد المُغردين القطريين أنّ سمو الأمير، عاهل دولة قطر، تكرّم برفع راتب المتقاعدين إلى 19 ألف قطري بدلًا من أربعة آلاف قطري، وهذا خبر مُفرح لنا أيضًا لأننا نفرح لأيّ خير يُصيب أشقاءنا. ثم أعقبه مغرد آخر بخبر لدولة خليجية أخرى تبيّن عدم صحته ولكنّ المغرد قال باستهجان (أرجو حذف التغريدة احترامًا وتقديرًا لمشاعرنا في سلطنة عمان)!! قالها دون وعيْ منه ودون أنْ يُدرك حجم المساحة المُتفاوتة بين دول المجلس وقوة البشر العددية، وحجم الناتج المحلي وطريقة توزيعه على بعض القطاعات وحجم الديون، ولا حتى أنه يُدرك حجم المعيشة وارتفاعها في تلك الدول. وكما هو معلوم أنه كلما ارتفعتْ رواتب الموظفين كلما ارتفع التضخم وزاد الطلب وقلّ العرض وارتفعت الأسعار؛ ذلك مما قد يُؤدي إلى انهيار العديد من المقومات الاقتصادية منها القوة النقدية. ولذا فإنّ المعادلة بينهما، تدفع إلى تعزيز حياة الاستقرار المعيشي.

ناهيك عن أنّ التضخم سوف يستنزف الاحتياطات المالية مما قد يُؤدي إلى تذبذب وعدم استقرار السوق.. فمثلا ما حدث على اثر تداعيات أزمة جائحة كورونا وتأثيراتها المدمرة لاقتصادات الدول واستنزافها لأغلب احتياطات الدول وخصوصاً الدول ذات الاقتصادات الكبرى، وكان تأثير الصدمة على الاحتياطات كوقوع الصخرة على الرأس؛ مما أدى بالحال إلى فرض قيود صارمة صحية ومالية واجتماعية وخصوصًا في دول مجلس التعاون الخليجي، وحتى السعودية الأكبر اقتصادًا والأكثر سُكانًا، والاقوى ماليًا اتخذت اجراءات تقشفية واقتصادية غير مسبوقة وتنبّهت للخطر وسعتْ إلى اعادة هيكلة الاقتصاد والادارة وترتيب الأوراق ومن ثم رَفع القيود شيئًا فشيئًا، هذا ما لاحظناه في كُل مناحي الحياة في الدولة الأكبر في المنطقة. وليس ذلك عجزًا في الكفاءة او شُحة في الأموال بل الحاجة إلى الإصلاح لتجنب ما هو أكبر وأدهى من أزمة الجائحة.

وقد أثارت تغريدة لسالم السالمي انتباهي وإعجابي تحفيزًا وتوعية للمواطن العُماني؛ حيث قال: "لا ينبغي نشر الاخبار المُستفزة للشعب من مكافآت وترقيات وغيرها، نثق إن شاء الله مع تحسن الاقتصاد والإيرادات أنه سيتحسّن دخل الفرد سواء بالتوظيف أو الترقية.. ولا ينبغي إدخال التذمّر إلى المواطن من بعض الحسابات الإخبارية، بغرض عمل المُقارنات، نثق في حكومتنا ونُدرك أن التطوير قادم".

خلاصة القول.. إنّ رُبّان سفينة بلادنا عُمان صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- مِن أقدر وأحكم الرجال وأكثرهم حرصًا وحُبًا لهذا الوطن، وبلادنا فيها الخير الكثير ولكن علينا أنْ نكون أكثر وعيًا وأكبر من أنْ نُقارن أنفسنا وواقعنا مع أيّ دولة في كلّ مُناسبة، وأن نعتمد على أنفسنا ونقنع بإمكانياتنا ونبحث عن التطوير والازدهار بأقصى طاقاتنا، وعلى كُل مسؤول أنْ يعيَ حجم المسؤولية المُلقاة على عاتقه، وأن يهتم المُخططون بوضع استراتيجية بعيدة المدى تضمن الرفاهية والحياة السعيدة لأهل عُمان وتحميهم من الأزمات والمصاعب، والعمل بأقصى جهد لضمان المستوى المعيشي المناسب للمواطن لكي تبقى عُمان أجمل البُلدان إلى أنْ يرث الله الأرض وما عليها.

تعليق عبر الفيس بوك