من شركاء في الهمّ.. إلى متفرجين عليه

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

لدى المُزارعين في ظفار مصطلحات درجوا عليها بلهجتم المحلية، أتذكرُ منها؛ إذ كنت- كمعظم أقراني في تلك الحقبة- مزارعًا صغيرًا قبل أن نتخلى جميعنا صغارًا وكبارًا عن الزراعة، وسلمنا مزارعنا للعامل الوافد لأسباب ومسببات نعلمها جميعًا، ولكننا ما زلنا إلى الآن على ما يبدو مشغولين عن استئصال هذه الأسباب للرجوع لزراعتنا وأراضينا لنزرعها لتحقيق الاكتفاء الذاتي كما كنَّا، خصوصًا بعد أن كشفت حرب روسيا وأوكرانيا التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل عوراتنا الاستهلاكية كعرب، وأصبحنا مهددين بالمجاعة لا محالة فيما لو طال أمد هذه الحرب لأشهر معدودة.

ما زلنا على ما يبدو تحت تأثير نشوة اعتمادنا على الدخل الريعي السهل لما ينتجه باطن الأرض، رغم أن الأصل الاعتماد على ما عليها وما نعلمه عنها وما عشنا عليه منها لقرون، لا ما بباطنها الذي لا نعلم عنه الكثير ومصيره النضوب والزوال.

أحد هذه المصطلحات: هل البرسيم "سيشرط من جديد؟!" أي هل بعد أن حصدنا البرسيم عدة مرات ما زال سيُنبت من جديد بمجرد سقيه وتسميده؟ وهل نبتته هذه المرة ستكون ذات جدوى أم يستلزم أن نعزق الأرض ونقلبها ونهيئها من جديد وبذر البذور لنحظى بمحصول أوفر لعدة مرات أخر.

يذكرني هذا المصطلح "هل سيشرط من جديد" بموقفنا كعرب عمومًا من القضية الفلسطينية وبيت المقدس ثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسولنا الكريم. كنَّا أجيالًا عربية نعيش القضية وكانت جزءًا لا يتجزأ منَّا، وكانت تجمعنا وعلى وشك أن توحدنا، لذلك لم تكن توجد بيننا مشاحنات جانبية تذكر، ولا تشرذم داخل البلد الواحد، ولم نُخترق في قوميتنا العربية، كانت القدس تجمعنا وكانت البوصلة لنا، كنَّا متباعدين جغرافيا مع وسائل تواصل واتصال ضعيفة حينها، لكننا كنَّا أكثر لحمة ويستشعر كل منَّا نبض الآخر؛ لأنه لا نجاة لنا إلا بتوحدنا، وهذا قدرنا؛ لأننا سليلو تاريخ واحد وينظر إلينا الآخرون على هذا الأساس، ولا بُد أن يشتتونا كي لا نعيد ما كنَّا عليه.

كانت مناهجنا الدراسية تُحفزنا لقضيتنا وتربطها بتاريخنا المشترك لذا كنَّا نتفاعل مع أي حدث يحصل لأهلنا في فلسطين وأي بقعة في عالمنا العربي ليس أقلها الدعم ماديًا، وما زلت أتذكر تجميعنا من مصروفنا ريالا للمساهمة به في المجهود الحربي وكان الشعار حينها "بريال تساهم برصاصة في المعركة"، وكنَّا مقاطعين لهم وأصبحنا مطبعين ومتقاطعين معهم.

السؤال الذي لابُد أن نطرحه على أنفسنا، هل "سنشرط" من جديد؟! أم سنبقى من المنظرين حتى يقتلعونا من أراضينا كما نقتلع نحن ما نستشعر أنه لن "يشرط" من الزرع.

الجواب على هذا السؤال وجدته في مسلك برلماني عربي طبعت دولته فلما شاهد أن الأمر بلغ بهم كما يحصل اليوم أن يقتسموا معنا حتى العبادة في المسجد الأقصى؛ أي تقسيم الزمان والمكان بيننا وبينهم، فما كان من هذا البرلماني إلا أن قام بإحراق علم هذا الكيان تحت قبة برلمان هذه الدولة المطبعة وأمام كل زملائه البرلمانيين والعالم. فأيقت معها أننا سنشرط من جديد.

إذا الشعب يومًا أراد الحياة

فلابُد أن يستجيب القدر