ودخلت العشر.. فهل من مشمر؟

 

محمد بن سعيد الرزيقي

بالأمس كنَّا في انتظار رمضان، واليوم نجد أنفسنا في العشر الأواخر منه، فقد تسارعت أيامه، كأنها ومضة برق، وانطوت ساعاته، ومرت، وتلاشت سريعا؛ وكأنها سحابة صيف؛ فقد راح الثلثان منه: الثلث الذي فيه الرحمة، والثلث الذي فيه المغفرة، ودخل علينا الثلث الأخير، وهو ثلث العتق من النيران والفوز بالجنان.

ضيف جاء على عجل، ويُوشك أن يذهب على عجل، وهنيئا لمن أحسن ضيافته، ونقول لمن لم يحسن ضيافته: ما زال في الوقت متسع لتتدارك ما فرطت في أيامه الأولى، فإن كنت لم تختم القرآن بعد، فإنَّ الأيام العشر هي ميدانك لتختمه فيها، وتشرع في ختمة أخرى، وإن كنت ختمته مرة واحدة؛ ففي الوقت متسع لتختمه ثانية وثالثة، ومن كان مقصرا في قيام الليل وصلاة النوافل، وأداء الفرائض في المساجد؛ فإن الفرصة ما زالت سانحة له لفعل ذلك، وإصلاح ما بدر منه. مع دخول العشر الأخيرة من رمضان، تتوجه قلوب المؤمنين إلى بارئها؛ بأن يبلغها قيام الليلة التي قال الله تعالى عنها بأنها مباركة "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) " (الدخان:3ـ 4) قد أخفاها الله تعالى عن عباده، فلا ندري في أي ليلة هي من ليالي العشر، قال العلماء: بأن الحكمة من إخفائها هو أن يجتهد الناس في العبادة، وعمل الخيرات والصالحات في  جميع لياليها؛ التماسًا لدرك ليلة القدر، والفوز بأجر قيامها، لذلك تجدهم يجتهدون في القيام وتلاوة القرآن، ورفع أكف الضراعة والدعاء، يصلون ليلهم بنهارهم.

الحقيقة أن ليلة القدر هي جوهرة عقد رمضان الثمينة، لأنها كما وصفها الله تعالى في كتابه العزيز بأنها تعدل في الأجر عبادة ألف شهر، يقول المولى سبحانه وتعالى: "إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)" (القدر:1ـ 3)، وأعظم شيء يسأله العبد ربه في تلك الليلة مغفرة الذنوب والعفو عنها، كما ورد في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني)، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في المسجد.

إذن ما بال أقواما كلما اقترب الشهر الفضيل من الانصرام، وأوشك الزراع بأن يحصدوا ثمار ما زرعوه، ودنت الجوهرة المنتظرة (ليلة القدر) من الحلول، حتى ما كان بين بلوغها وبينهم إلا مقدارا يسيرا أو قاب قوسين أو أدنى، تراهم قد زهدوا فيها، وتراخت نفوسهم عن بلوغها، ودبّ في أجسادهم داء الكسل، وأحاطت السآمة والملل على نفوسهم؛ فلا صلاة التراويح يحضروها، ولا يقرؤون القرآن إلا قليلا، وقد ابتعدوا عن التقرب إلى الله تعالى بالخيرات وعمل الصاحات إلا من رحم الله، وتراهم على أبواب الأسواق والملاعب يتزاحمون.

أخي المسلم، الله َاللهَ، والبدارَ البدارَ، وشمر عن ساعد الجد في انتهاز ما بقي من أيام الشهر الفضيل في الطاعات والعبادات وفعل الخيرات؛ فإن الحسنات فيه تتضاعف، وإن رأيت الناس يتسابقون في نيل المكاسب المادية، سارع أنت في نيل المكاسب الآخروية؛ فإنك لا تدري هل تعيش إلى رمضان القادم أم لا!

تعليق عبر الفيس بوك