لقمة العيش أم القضية؟!

 

هند الحمدانية

كيف ينسى الإنسان هويته.. منشأه.. وقضيته؟! إذا جاع ولم يجد لقمته.. إذا أردت أن تنسى أمة بأكملها.. لماذا أوجدها الله وماهي غايتها؟ دعها تجري لاهثة وراء لقمة العيش ووراء الأمن والمسكن.. وبعدها سوف تتبخر القضية متطايرة مع أول ضربة شمس حارقة.

هكذا أداروا قواعد اللعبة بالحروب والانقسامات وبعدها الجوع والشتات وانعدام الأمن والأمان، فأصبحت الشعوب تبحث عن الخبزة بدل الشرف وعن غرفة بأربعة جدران بديلا للوطن، وتصدرت قضايانا قضايا مستجدة وطازجة ألا وهي "البطالة" والبحث عن عمل، فهل يعقل أن ينشغل الشاب "الذي لا يملك حق العمل ولا حق تعبئة بطاقة الهاتف" بقضايا الأمة؟! وهل يُعقل أن ينشغل رب البيت الذي لا يملك المال لدفع الفواتير المتأخرة وتوفير مأكل ومشرب العيال وأم العيال هل يعقل أن ينشغل بقضيةٍ غير قضية لقمة العيش؟!

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ" وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الفقر بعد كل صلاة وذلك دليل ثابت على أن الفقر والعوز والحاجة هي وجه آخر لكل أشكال الظلم وانعدام الأخلاق وضياع الذمم والحقوق وفقدان الهوية، ولذلك كانت هي الحل السريع للقضاء على الأمة المسلمة ، حرب تلو أخرى وتبعات خلفتها السنون والأحداث كان أولها الفقر وآخرها الجهل والقهر، وبين عثرات السنين العجاف ضل من ضل، وتضاءلت استحقاقاتنا ومطالباتنا: فبعد أن كنا نطالب بالشرف والأوطان واستعادة الأرض، أصبحنا نطالب بالرغيف واللحمة وحق العمل وصلاة الفرض.

في زمنٍ ما.. كانت لنا قضية تتصدر كل مقالٍ وحديث وعمل وقول، في زمنٍ ما.. كنَّا نقف إذا أحسسنا بأن جلوسنا عار، في زمنٍ ما.. كنَّا نكح إذا امتلأت الحناجر بالغبار، في زمنٍ ما.. كنا نملك كلمات وأقلام وأقدام، في زمنٍ ما كنا شيئاً يسمى إنسان، قد ينسى ولكن لا يُهان، أما اليوم فأصبحنا في الزمن بدل الضائع نجري خوفًا من صافرة الحكم النهائية، نجري خلف الخبز والأرز ودقيق القمح، خلف ضريبة العيش وفاتورة الكهرباء وصنبور الماء، نجري خلف وظيفة تفتح لنا مائدة في البنك لنأكل الربا بالهناء والشفاء.

لا تسأل الشعوب العربية المسلمة بعد الآن عن أي قضية، لا تسألهم عن القدس ورأيهم في التطبيع ولا عن أي مستجدات في شارع الحياة، لا تركز الضوء كثيرا في تحليل السياسات، لأن شعوبنا العربية المكافحة ليس لديها الوقت لكل هذه التساؤلات، فهذا موسم العام المبارك لقطف ثمار المسلسلات، وتعبئتها وتخزينها في سِلال عقولنا المهملات، مشغولون نحن كثيرًا لا تطالبنا بشيء فليس من حقنا المطالبة، مشغولون كثيرا كثيرا ولا نملك الوقت والمشاعر لكي نحزن أو نبكي أو ندعي لإخواننا في الكتاب والسنة، مشغولون نحن كثيرا ولا نملك المال ولا اليد لكي نمدها للمساعدة، مشغولون كثيرا ولا يمكن لنا نصرتكم والعبور إليكم فليس هناك وظائف في الجهاد شاغرة، أعذرونا يا أبناء ديننا فأنتم في سبيل الله أحياء ونحن في سبيل الحياة الفارغة.

تعليق عبر الفيس بوك