التسوّل

سعيدة بنت أحمد البرعمية

يُعرّف التسوّل على أنَّه" الطلب سواء للطعام أو للمال أو للإيواء"، ويعمل المتسوّل عادة على طرق باب العاطفة للدخول إلى قلوب الناس واستجدائهم، عانى مجتمعنا الرّحوم على شّح دخله من ظاهرة التسوّل، فهي تتفاقم بشكل غريب وغامض، فالمتسولون بمختلف الأعمار والأجناس، ينتشرون انتشارا بشعا ومربكا، تعدّى المدينة والأسواق ووصل للسهل والمنتزهات، فقد تلتقي بمتسول في مكان ما وأنت في سيارتك وهو راجلا، وتجده بعد قليل في مكان آخر بعيد، فهو يتميز بحركة سريعة مذهلة.    

اتخذ بعض المتسولون ظاهرة أخرى للاستجداء؛ فبدلا من أن يطلب منك مالا، يطلب منك بإلحاح شديد أن تشتري منه بعض الأشياء التي يبيعها بقيمة مضاعفة.

ليس هذا فحسب؛ بل إن النساء المتسولات أكثر مهارة من الرجال والأطفال والشباب، فهنَّ لا يقبلن عذرا ولا يملأ أعينهن شيئا، المال والذهب والأكل والثياب، ولو استطعن أن يطلبن كروكي منزلك لم يترددن لحظة؛ هولاء صنف مُلحّ بطرق احترافية؛ فعندما تقول لإحداهن ليس لدي مال، تقول لك بعد الابتهال بسلسلة من الأدعية والحلف على مصداقيتها وذكر نبذة من مُعاناتها، "شوف لي أي شي ممكن أبيعه كي أقدر أكمل المبلغ المطلوب سداده" وهنا إشارة إلى طلب الذهب بطريقة غير مباشرة ولها تأثير كبير على الطرف الآخر، حيث  يحنّ قلب الطرف الآخر ويدرك مدى مُعاناة السائلة، فهناك من النساء من يعطين خواتهمن وأساورهن وهنَّ واقعات تحت التأثير العاطفي، وغالبا المبلغ المطلوب سداده متفق عليه من قبل المتسولين على أنه للإيجار أو لدفع فواتير الماء والكهرباء أو للعلاج. 

وصل الحال بإحداهن عندما قلت لها، ليس لدي ما أعطيك إياه، أن قالت: ثوبك هذا الذي ترتدينه عجبني فأعطنيه، فما كان مني إلاّ أن ضحكت وشرّ البلية دائما ما يضحك. كنت أضحك محرجة وهي تحلف أنها فعلا تريده!

من الصعب أن تجد نفسك تحاور متسولا؛ فالخرس يداهم لسانك فتهاجرالكلمات والعبارات التي اعتدت الحديث بها فجأة؛ لشدّة وغرابة ما تسمع وترى، فتشعر بالحياء والنخوة مع الشك والتردد، فتحث نفسك على العطاء ولو بالقليل، مهما كنت تنتقد الظاهرة وتشكك في أمرها، فديننا يأمرنا ألاّ ننهر السائل وألاّ نتجاهله ولكن ماذا إن تمادى السائل؟

وهذا السؤال يأتي بآخر، هل عندما تعطى ما في جيبك أو بعضه متسولا، سألت نفسك ما إذا كانت صدقتك التي أخرجها الإحراج  عنوة، أُنفِقت في وجه صحيح؟

ماذا لو صحّ ما نسمع ومايُقال عن هؤلاء المتسولين من أنهم يتبعون لشركات تدعمهم ويدعمونها من جيبك الرثّ البالي، الذي مضغته القروض البنكية والمصاريف والواجبات والضرائب وقترة العيش. 

راجع نفسك أيها الكريم ولا تدع نفسك ألعوبة بيد اللئيم، وأعلم أين تنفق ريالك، نعلم جميعا أن الصدقة الأعظم أجرا هي أن تضعها في الأكثر قرابة منك، فهى إن وُضعت في القريب للمتصدق بإذن الله أجران أجر الصدقة وأجر صلة الرّحم، وهي تختلف عن الزكاة التي يجب أن تعطى لمستحقيها وهم أشدّ الناس فقرا، فلم نضع الصدقات مجبرين من عواطفنا وغياب عقولنا  في أيدي غريبة لا ندري مدى مصداقيتها ولا غاياتها، ونحرم أنفسنا من الأجر الآخر للصدقة!

قد يشعر من يقرأ مقالي أن قلبي بلا رحمة، أوأنني بخيلة؛ حسنا، قد أكون كذلك وقد أكون منطقية، أعطي ثقتي لمن يستحقها وحسب معطيات مدروسة، فالسائل الذي يطلب منك المال والذهب فتقول له ليس لدي سوى الطعام أو الثياب إن أدرت؛ فيقول: حسنا، فتذهب لاحضار المأكل والملبس، ويأخذه منك لأقرب برميل للنفايات ويكمل طريقه راكبا العاطفة ومتزودا بالكثير من مهاراته، فهذا ليس فقيرا ولا محتاجا، بل أنه لديه غاية وهدف يسعى لتحقيقهما؛ فجيبك وعاطفتك بمثابة العصا السحري الذي يحقق له مراده.

لا أرى فرقا بين المتسوّل والمتسلّق والمتطفّل، كلَ منهم يستخدمك أداة لتحقيق أهدافه، عن طريق استغلال عاطفتك والاتكاء إلى مهاراته وسمومه المختلفة، فانفض عنك تأثير العواطف وضع الأمور في نصابها، فأنت لست مجبرا أن تكون عائلا يُعيل طفيليات؛ فالتطفّل علميا يعتمد على كائن حيّ يسمى "العائل" وهو بدوره يعيل مجموعة من الطفيليات.