أنيسة الهوتية
الكَثير مِن الموروثات الشعبية والعادات التقليدية الجميلة اختفت على مَرَ الزَمان بِحُجةِ أنَّها "بِدعة" ودخلت مكانها بِدعٌ أشدُ فتكاً وصَرعاً في البيئة المُجتمعية المُسلمة.
ومِن هذه الموروثات الشعبية كانت "الشعبانية" والتي كانت تُقام كاحتفالية خاصة بالأطفال في ليلة الخامس عشر من شعبان، يتم فيها تجهيز الأطفال بأجمل ثيابهم وتتجمعُ العوائل استعداداً للتجهيزات الرمضانية وأيضاً تجهيزات العيد وإكمال النواقص الموجودة بين بعضهم البعض، كل عائلةٍ تساعد الأخرى وتسد ما نقص لديها. ومع الأيام أصبحت النساء يطبخن أشهى الوجبات والمأكولات والحلويات والعصائر ويقدمنها في ليلة الشعبانية في تلك التجمعات التي أغلبها كانت من الأقارب أو من الأهل أو الجيران المقربين.
وَثُم تليها مع دخول الليل التجمعات الروحانية من تسبيحٍ وتهليلٍ وتكبيرٍ فيقرأون البردة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في جلسةٍ أشبهُ بالمجالس الصوفية من حيث ارتقاء الروح عشقاً وهياماً مع كل صلاةٍ وذكرٍ، ثُم في اليوم التالي يتصدق كل واحدٍ عند الشخص المؤتمن عليه والمُسماة بالأمين بمالٍ أو ثيابٍ أو طعامٍ وخاصةٍ التمر، فيوزعهم الأمين على من يستحق قبل دخول رمضان كنوع مِن الدعم المُجتمعي للأسر المُعسرة حتى لايشعروا بالحرجِ والنقص والاحتياجِ، فتُسَدُ حاجتهم قبل أن يذكروها. وتجتمع القلوب بالأُلفةِ والمحبة والود.
ثُم في أولِ رمضانِ عادةَ التراحيب الرمضانية، بعد صلاة التراويح يجتمعُون فيقرأون الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم يقرأون جُزءًا مِن القرآن، وكذلك تكون الحال كل ليلةٍ إلى أن يختموا القرآن الكريم في الثلاثين من رمضان، وإذا كان تسعة وعشرين فإنهم في ليلة العيد كانوا يختمونه. وبذات الطريقة يتم دفع مال الزكاة، والصدقات، إلى "الأمين" فيوزعها على من يحتاج دون أن يعلم المُزكي والمتصدق لمن ذهبت أو أن يعلم المُستَقبِل مِن أين أتت حتى لا يحرج شخصٌ من آخر في ذات المجلس الذي كانوا يجتمعون فيه تحت قانون المساواة الاجتماعية.
ثُم في ليلة الخامس عشر من رمضان "القرنقشوه"، والتي أيضاً هي من الموروثات الجميلة التي بدأت كاحتفال وفرح بولادة سبط الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ثم تطورت مع السنين إلى أن وصلت إلى عادة تُراثية جميلة وخرج منها أصل الاحتفال، ولكنها لازالت موروثاً شعبياً جميلاً أتمنى عدم زواله.
ونحترم عدم تقبل بعض الأشخاص للقرنقشوه مِمَن لم يكبر على هذا الموروث، ولكن نودُ مِنهم أيضاً احترامَ الآخرين مِمَن تربى وكبر عليه. ولا يجب التجريح والتجريم والتكفير لكل من احتفل بهِ، بحجةِ أنها بدعة! فإن كانت كذلك، إذاً هُناك الكثير من البدع التي تستقبلونها برحابةٍ صدرٍ واحتفالياتٍ مُجلجلة تُنشدون فِيها رَفلاً وتبثون الأشعار الفضفاضة والرنانة لها عندما يحين وقتها!
ومِن الأُمورِ السيئة جِدًا عِند بعض الأفرادِ أنهُم يسعون لنشر بذور الفتنة في أوقاتٍ مُعينة من السنة في وسائل التواصل الاجتماعي، فيأتي أحدهم ويضع تعليقاً ساخرًا من موضوعٍ مُعين مثل موضوع القرنقشوه ثُم يأتي غيرهُ فيعلق سلبًا ويُستفزُ غيرهُ فيُعلقُ إيجابًا وهكذا تبقى وتيرة الحوار بين شد وجذب وتتحول إلى قذف وسب وشجارات وصاحب الموضوع مُستمتع بتلك الحرب التي افتعلها من زرع بذرة الفتنة تِلك التي نبتت وكبرت وأثمرت!
وأخيرًا ماذا جَنيت يا هذا؟ ولِماذا؟
ونتمنى من الجميع أن يتذكر أن العادات والتقاليد والموروثات التراثية والشعبية تختلف من منطقة إلى أخرى، وَمِن ولاية إلى أخرى، كما لهجاتنا وأزيائنا وبناءً على ذلك احترام الاختلافات هذا واجبٌ على الفرد والمجتمع.
وتأكدوا بأن الوثنيين لا يحتفلون بمولد سبط الحبيب أبدًا!!