عفوًا.. بنات الشمس

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

"لستُ مذنباً فأخاف منك وليست الطريق ضيقة فأوسع لك"، هذا ما أجاب به صبي يلعب مع أصحابه، الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما سأله: لِمَ لَمْ تهرب مع أصحابك؟

لم يكن السؤال صعباً، ولم تكن الإجابة متوقعة، كانت مذهلة، وما يجعلها أكثر دهشة أنها أتت على لسان صبي يلعب لا شأن له إلاّ بالمرح، أعجب الخليفة برده، لِما فيه من الشجاعة وسرعة البديهة.    

سألني سائل منذ أيام، عن المانع الذي منعني من الكتابة الأسبوع الماضي، استفزني سؤاله؛ فليست الأسباب للعرض أو للبحث، وليس السائل قارئا شغوفا بما أكتب فأُبرر له، استعرتُ قليلا من شجاعة الصبي وابتسمتُ في وجه السائل ابتسامة صفراء، وقلتُ: انتظر مقالي القادم فإنه من نوع آخر، وربما أتناول فيه بعض محاسنك، لا ليس محاسنك فهي لن يسعها مجلّد وأكبر من أن يتضمنها مقال، بل سأخصصه للإجابة عن سؤلك.

عزيزي السائل لم أكن أعرف أنك مهتما لهذا الأمر، فلم تكن يوما ممن يمسك بيده كتابا، أتذكر جيدا كرهك وسخطك للكتب المدرسية وتذمرك منها، كما أتذكر السور العالي الذي أقمته مؤخرا بينك وبين الأدب والثقافة، فلِمَ تتبع خطاي وتستفهم عنّي؟ أعلم أنه ليس بدافع الشغف بما أكتب.

لا يخفى عليك أنني لا أحبّ الاستجواب، كما أنني لستُ كتابا مفتوحا ينهل منه السائل متى شاء؛ فأحذر سؤالي، قد لا تعجبك إجابتي؛ فالفضول ثم الفضول ما يجعلك تتقصى حبري أو بالأحرى أخباري.  

يعلمُ القارئ الذي يقرأ لي ويتابع ما أنشر أن قلمي، لا يتقيد بنظام معين في الكتابة ولا له توقيت ثابت للنشر، فالمزاجية تحكمه وربما العناد، فقد ينشر نصان في الأسبوع ذاته وقد يتمرد على الحبر شهرا كاملا، لا سلطة لي عليه، كما أنه لا حق لأحد أن يتطقس أحواله ويسأل عن مصابه.

 عزيزي السائل يُقال: "لا تجالس كاتبا ولا تخبره سرك؛ فقد تجد نفسك في سطوره دون أن يشعر"، لذا نصيحتي أن تمارس فضولك أنّى شئت دون أن تقترب ممّن يُمسك بيده قلما، وأحذر بطشه، واجتهد في ابعاد مباحثاتك عنه، ولا تنتظر منه إجابة شافية عمّا يدور في كواليس حبره  وأوراقه، أطمئنك أن حبري لم يجف بعد؛ بل أنه الأسبوع الماضي في أفضل حالاته، فقد كتب العديد من النصوص على النسائم وأوراق الشجر وعيون الماء وعلى الرمل؛ فحينما يتمرد على الورق وجدران الزمن؛ فإنه يأخذ مسارا آخر  ينثر فيه حروف محصّنة بطوق الياسمين ترفض النشر. 

كان النص الذي دونته على الرمل، يسرد قصة بنات الشمس التوائم، اللواتي تشابهن لدرجة التناسخ، لا في مدّها جود ولا جزرها محمود، أعجب به البحر فسلبني إياه بموجة خاطفة مرتدة إلى عمقه، بينما أنا أقف بحسرتي مستنكرة فعلته كالمغلوب على أمرها، لا أدري لما فعلها، أهي مزحة ثقيلة أم هي إحدى منغصات بنات الشمس المعتادة.

سائلٌ يا عزيز: لقد خصصت مقالي كي يكون ردا على سؤلك، مع علمي التام أنك لن تقرأه وستكتفي برؤية العنوان من برج المراقبة؛ فأنت من النوع الذي يكتفي بقراءة ملخص الأخبار مع إحاطة نفسه بالمعرفة، وذلك كفيل بإيصال رسالة أنني ما زلت متصالحة مع قلمي وأنني معه على قيد الوفاق وهذا يكفي، لا يهمني إن صالحتني بنات الشمس أو حملت لي في طياتها بعض المنغصات أمثالك؛ فقد تعلمتُ من مصاحبتي وقرآتي للدرويشيات، أن المنغصات بمثابة الملح للطعام؛ فوجودها إشارة إلى أن الحركة بصفة جيدة، والمحركات على قدر عال من الجودة، لذا أُفضّل التعامل معها بلا وجودية؛ فمهما تعاضم أمرها إلاّ أنها تمرُّ سلاما كالعنصر المحايد لعملية الجمع، لقد أيقنت أن العثرات محفزات والإبداع لا يأتي خبرا عاجلا.