فيروس الواسطة

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

من الفيروسات المزعجة التي باتت تؤرق الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، والتي يجب على المجتمعات اجتثاثها وإزالتها فورًا لينعم المجتمع بالخير والازدهار والنجاح، فيروس الواسطة والمحسوبية، وهما من الفيروسات التي أصبحت وأمست مع كل الأسف تهدد بانقراض المواهب والطاقات البشرية في المجتمعات.

نستطيع أن نقسم الواسطة إلى قسمين لا ثالث لهما، وهما: المحمودة والمنبوذة، أما الواسطة المحمودة فهي مساعدة الفرد ليتمكن من الحصول على حقه الذي لا يستطيع بنفسه الحصول عليه إلا عن طريق الواسطة المحمودة بدون إلحاق الضرر بالآخرين، أما الواسطة المذمومة والمحرمة شرعاً وعرفاً هي التي تؤدي إلى حصول الفرد على الحق الذي لا يستحقه كإعطائه الوظيفة التي هو ليس أهلا لها والتي هي من نصيب الأكفاء من أبناء المجتمع.

نستطيع القول إن الواسطة والمحسوبية هما وجهان لعملة واحدة، ومعناهما تفضيل وتقديم الأقارب والأصدقاء وتمكينهم في ساحات العمل وإهمال الاهتمام بالكفاءات والطاقات الوطنية التي لابد أن يتحلى بها الإنسان الكفء في خدمة مجتمعه ووطنه، فمن المؤسف جدًا عندما يجعل البعض من الواسطة والمحسوبية حلا لإشباع رغباته الشخصية وذلك مما يزيد من مشاكل الفساد في الداخل الاجتماعي.

الواسطة من أبرز مظاهر الفساد الاجتماعي الذي ما زال ينخر في أجساد بعض الدول، ويساعد على هدم الكثير من المبادئ والقيم كالعدالة والمساواة الإنسانية فيها؛ بل وأصبح يؤثر تأثيرا مباشرا على حقوق الإنسان، مما جعل من مقدرات الشعوب مسلوبة ومغتصبة دون وجه حق، بحيث أصبحت الواسطة أو المحسوبية خارقة لسيادة القانون، مما ساعد ذلك على انتشار الكثير من المشاكل الاجتماعية كالبطالة والعنف وتعاطي المخدرات، وأخلت إخلالًا واضحًا بتقسيم الثروات في المجتمع، فأصبح إعطاء من لا يستحق ما لا يستحقه من وظائف ومناصب وحقوق وغيرها. الواسطة كانت وما زالت محرمة حالها حال الرشوة، واستعمال السلطة والمسؤولية بشكل غير لائق من خلال منح الوظائف بطريقة غير قانونية، فكان من الواجب على الدول والمجتمعات تجريم الواسطة وفرض عقوبات صارمة على مرتكبيها في حال تجاوز الموظف أو المسؤول حدود وظيفته والتقصير في أداء واجباته، فقد نص قانون الجزاء العماني على سبيل المثال في المادة 210: (يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على  ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن  خمسمائة ريال عماني، ولا تزيد على  ألف ريال عماني كل موظف عام أخل بواجبات وظيفته نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة"، ومن هنا لا بُد من رفع شعار "لا للواسطة والمحسوبية" في المجتمع، ونعم لإقرار القانون لردع انتشار الواسطة في مواقع العمل.

وبعد التطرق إلى قانون الجزاء العماني لابُد من التطرق إلى ذكر الطرق المناسبة لمكافحة وعلاج الواسطة والمحسوبيات في مواقع العمل، وأذكر منها الآتي:

  • أولًا: يجب توعية المجتمع بمخاطر الواسطة والمحسوبيات وذلك من خلال قاعات المدارس والكليات والجامعات ودور العبادة والإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.
  • ثانيًا: وضع عقوبات صارمة ورادعة لكل من سولت له نفسه القيام بالواسطة والمحسوبية واستغلالهما في إشاعة الفساد بين أبناء المجتمع الواحد.
  • ثالثًا: تقديم ندوات خاصة في الدوائر الحكومية وتشكيل لجان مراقبة للموظفين العاملين في قطاعات الدولة بهدف تنظيم العمل وعدم إقحام الواسطة والمحسوبية إلى أروقة العمل.
  • رابعًا: دعم اللجان المتخصصة في مراقبة العمل وكشف الظواهر الفاسدة كالواسطة والمحسوبية وغيرها وذلك من خلال مساءلة المسؤولين والموظفين والعمال عن عملهم ومحاسبتهم على أي تقصير أو خلل أو إساءة إلى وظائفهم ومناصبهم ومواقع عملهم.

وكما يقول سيد العارفين الإمام علي بن أبي طالب في كتابه لمالك الأشتر في نهج البلاغة برقم 53: "ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الاْمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ. وَتَحَفَّظْ مِنَ الاْعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ، اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ".

  • خامسًا: اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب الذي يليق بطاقاته وإمكانياته المهنية في ساحات العمل.
  • سادسًا: احترام أهل التخصص وحثهم وتشجيعهم على تقديم أفضل ما لديهم في خدمة وطنهم ومجتمعهم وعدم استبدالهم بطاقات أقل علمًا وفهمًا وتخصصًا.

وأخيرًا.. ينبغي أن يتحلى الموظفون والمسؤولون في المؤسسات الحكومية أو القطاعات الخاصة صغاراً كانوا أم كباراً، رجالاً أم نساء، بروح إتقان العمل والإخلاص له، مبتعدين عن استخدام الواسطات والمحسوبيات التي تعكر صفو العمل وتزيد من رقعة الفساد الاجتماعي في المجتمع.