ظلم الذات

 

نور بنت محمد الشحرية

تبذل قصارى جهدك في عمل ما، تتقنه تجيده، تضع فيه لمسات من روحك، أيا كان العمل،بالبيت بالمؤسسات بالبر بالبحر، ولكن المردود المادي والمعنوي لذلك العمل ليس بمقدار الجهد المبذول فيه ولا بمقدار قيمته.

إياك أن تيأس ما تحب عمله وقد أحله الله وليس به ضر لأحد، أبدع فيه بقدر ما تستطيع، ابتكر فيه وضع بصمتك واترك جميل الأثر. اتقن أن الله يحب الإتقان، طور نفسك {ان خير من استأجرت القوي الأمين} والقوة لا تقاس بقوة الجسد فقط، فهناك قوة الفكر والعزيمة والإصرار.

امضْ قدمًا لا تعطي بالا لمن يعطي نصائحه المثبطة، لمن يضع أمامك عقبات وعراقيل، بدافع محبة، أو بدافع جهل، أو لعجز تمكن في روحه، وظن أنكما سواسية في الهمة، أو بدافع غيره، عمل أنت تجيده وتستمتع به، أين محل نصائحهم من الأعراب في قلبك؟

وإلى أن تصل إلى هدفك اغتنم كل لحظات الطريق للسعادة والفائدة، عش لحظاتها بحلوها ومرها راضيا، اللحظات الجميلة اعتبرها كالوقود، واللحظات السيئة خذ منها التجربة، واحذر تكرار الخطأ "فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".

أتظن أن من أطعته بطلب الرزق الحلال أو طلب العلم، ومن أطعته بالإتقان، وحببت نفسك اليه ببذل المزيد من الجهد والتطوير، سيتركك؟ {وأن الله ليس بظلام للعبيد}.

قريب هو ليس ببعيد كل ألم هو ممر للأمل، كل عثراتك يقيلها سبحانه بتسخير الصالحين من عبادة لك، بتيسير الصعب وتذليله، بهداية بصيرتك للصواب.

حلق كالنسر، افرد جناحيك عاليا، رحب بالصعب وأنت ضاحك، فقد أعلنها المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها

وتصغر في عين العظيم العظائم

لا توجد قوة بالأرض تمنع رزقا او توفيقا كتبه الًله لك، إن حصنت قلبك بحسن النوايا وفعلك بكريم الخصال، وتوكلت على الله واسلمت أمرك إليه موقنا، أن من كان الله معه فمن عليه ومن كان الله عليه فمن معه فلن تخشى الخذلان.

لن يخذل الله من نصره وأقام حقه وأدى واجبه، ولنا في درس رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عظيم العبر، عندما أتاه الوحي في الغار، وذهب المصطفى صلى الله عليه وسلم خائفا الى السيدة خديجة رضي الله عنها، قالت له "كلا والله، ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق" بمعنى أنك محسن وسيحسن الله اليك.

حب لأخيك ما تحب لنفسك، اياك ومضرة أحد وإن ظننت أنك محتاط لنفسك، وإن اعتمدت على قوتك وتمكنك، تذكر أن من يعلوك أنت وغيرك هو الله، المعز، المذل.

لك عقل تخاف عليه الفقد، لك جسد تخشى عليه المرض والوهن، لك سمعة تخاف عليها الضياع، لديك أحبة تتألم أن شاكهم شوك، لك رزق تتمسك به تمسك الغريق بطوق النجاة، وتعصي الله في عبادة، وهم تحت رحمته يرفعون أكف التضرع والرجاء، احذر تقلب احدهم في فراشه أرقا لم يستطع النوم مما أصابه منك، فقام في الظلمات يصلي ويدعو الله و"المنتقم" يستمع ويستجيب.

كل قوى الأرض لن تجديك نفعا، كل أمنيات الكون لن تكون لها قيمة عندك حينها، فقط ستتمنى العافية ولن تنالها الا بعفو ممن ظلمته، ورحمة قبول من الله.

الله خلق الكون وضمن للنملة رزقها، وعندما قسم ارزاقه، قسمها بميزان العدل بين الحياتين، حياة الفناء وحياة البقاء، من حرمه هنا امنية عوضه إياها هناك حيث الخلود والخير الباقي.

فليتفكر كل متفكر بنفسه، وبما اختار لها، فالقبر مظلم موحش، والإقامة فيه طويلة، وحده الله يعلم طول مدة المكوث فيه، ويعلم ما ينتظر كل من هان عليه عظيم مقام ربه.

وحدك ستحاسب فيه على ظلم ربما أوقعته على أحدهم لأجل إرضاء رغباتك، أو اكراما لشخص آخر، والآخر تاب وأناب وتحلل من المظلوم، واذا مات بات في قبره لا مظالم عليه وحسناته له لن يقاسمه إياها أحد، عندما تصطف الجموع أمام الديان.

وأنت ما أشد خسارتك خسرت دار البقاء، لتطيع شيطان الهوى، ولو أنك أعدت أخاك المخطئ الى جادة الحق والصواب، لكان خيرا لك.

والرزق بالدنيا أنواع، فهناك من رزق فيها كل شيء ولكن محروم من راحة البال، محروم من القبول بين العباد، تجده يحاول جاهدا ليكسب القلوب، وما يستطيع. وتجد فقيرا معدما لا يملك منها سوى قوت يومه، وقلبه عامر بالرضا، سعيد الحال، مرتاح البال، وموضوع له القبول بقلب كل من يراه.

الجميع دون استثناء حتى السيئين يقدرون الصالحين، ويتمنون أن يكونوا مثلهم، وحيث وضعت نفسك يضعك من حولك، من ارتضى لنفسه الهوان هان على الجميع، ومن ترفع رفع بين البشر والملائكة، ينادي الله- جل جلاله- في السماء (أني أحب فلان فأحبوه) ويوضع له القبول في الأرض .

خُلِقت حرا، فعش حرا كريما، واعلم أن نيل الكرامة ليس من المال والجاه كما يعتقد البعض، بل نيل الكرامة بعزة النفس، وحسن الخلق، وعلو الفكر، وخشوع القلب.

تعليق عبر الفيس بوك