"معرض الكتاب" يحقق حضورًا رغم التحول الرقمي

 

د. عزة القصابي

تتشكل "عادة" القراءة والاطلاع لدى الإنسان مع بدايات تلقيه التعليم في مراحله المُختلفة، وهو دائم البحث عن مصادر ومرجعيات لأغراض الدراسة التي تعينه على إكمال مسيرته العلمية. إلا أنَّ الكتاب الورقي، لم يعد الوسيلة الوحيدة للحصول على المعرفة، فالتحول الإلكتروني جعل الكثيرين يجدون ضالتهم عبر "محرك البحث" بكل يسر وسهولة.

بعد حدوث الثورة الرقمية وانتشار الكتاب الإلكتروني وتحول العديد من دور النشر إلى عالم التقنية، فإنَّ المصادر تنوعت بين قواعد المعلومات والحسابات الرقمية لمراكز البحوث العلمية والتي احتلت الصدارة لدى طالب العلم والمعرفة، وهذا جعل الإقبال على المصادر الورقية، يتراجع مع الزمن ...نظرا لسهولة الوصول للكتاب الرقمي.

وقد يتساءل البعض في عصر التقدم التقني، هل ستجد معارض الكتاب من يرتادها ويتجول بين أروقتها ويقبل على الكتب الورقية؟! والواقع يشير إلى أنَّه رغم التقدم الرقمي الذي يعيشه العالم، إلا أن معارض الكتاب الورقية لا تزال تقام سنوياً، مع الاحتفاظ بأسعار الكتب المنافسة، والحرص على طباعتها بالألوان الزاهية.

ويَقصد "الزائر الموسمي" معرض مسقط الدولي للكتاب، باحثًا عن موضوعات بعينها؛ فإذا كان هدفه الدراسة والبحث فإن المصادر العلمية والدراسية المتخصصة هي غايته وغالبا ما تكون الأعلى ثمنًا. فيما تتصدر "الروايات" قائمة الكتب الأكثر مبيعا، إذ يقبل الناس على شرائها وتداولها، ويحرصون على متابعة الروايات الأكثر مبيعا في العالم ودول الخليج العربي، وهذا ما يبرر تهافت الناس وخاصة فئة الشباب على كتب الروايات بأنواعها المختلفة وازدياد مقروئيتها والحرص على اقتنائها. وأخيرا ... هناك فئة تقبل على المعارف العامة؛ كالطبخ والديكور والموضة وقضايا الأسرة .. والتي تأتي في ذيل القائمة...وغيرها.

في الأيام الأخيرة يتزاحم الناس في أروقة المعرض بشكل ملحوظ، حتى أصبح مشهدا مألوفا ومعتادا لدى الكثيرين، وإذا سألنا أحدهم  فإنِّه سيبرر تواجده المتأخر برخص أسعار الكتب، دون الانتباه إلى أنَّ الكتب النوعية، غالبًا ما تختفي منذ الأيام الأولى ولا يتبقى منها إلا اللمم!

والمتابع لوسائل التواصل الاجتماعي، يجد بعض المشاهير ومستخدمي المنصات، يوثقون زيارتهم لأروقة معرض مسقط الدولي للكتاب. وترصد "بؤرة" كاميرا هواتفهم  بعض  دور النشر، وقد يختتمون هذه اللحظات السعيدة بكتاب قصصي أو روائي، والغالب فإنَّ المتابعين لهذا المشهور يتأثرون به، يسارعون لزيارة المعرض حتى لو كان بغرض الاستعراض والمُباهاة دون التفكير في الجدوى.

ولعل ذلك يسوقنا إلى فكرة استقطاب مشهور "يوتيوبر" من الشباب لزيارة المعرض والإعلان عن حفل توقيع كتابه عبر قنواته في منصات التواصل الاجتماعي، وهذا جعل الشباب يتهافتون على التواجد والحضور بشكل مبالغ فيه.

وبغض النظر عن الآراء والجدل واللغط الذي أثير حول استضافة مشهور "اليوتيوبر"، إلّا أنه لابُد من الاعتراف بأن الاختلاف والتباين في الآراء والأذواق والتوجهات الفكرية والآيدلوجية بين الأجيال أمر حتمي، ولا يمكن أن يقوم أحد بالتحكم في آلية تفكير الآخرين أو محاولة كبح لجامهم... وربما كانوا يحتاجون إلى نوع من التنظيم بسبب ازدياد الحضور، وفتح باب الحوار معهم بأسلوب يجعلهم يعتادون على التعايش مع مثل هذه الأحداث، دون إثارة البلبلة واللغط.

وختامًا.. يظل "معرض مسقط الدولي للكتاب" رمزا للثقافة والحركة المعرفية التنويرية، التي تزخر بنشاط إبداعي وتجاري وعلمي وفني... ولا أحد ينكر "التحول الدراماتيكي" الذي طرأ في خارطة هذا المعرض، حيث كانت البدايات عبارة عن "معرض كتابي" بحت، دون احتوائه على فضاءات مفتوحة للحوار والمثاقفة وإقامة الورش والمحاضرات والعروض المسرحية والأنشطة المتنوعة للصغار والكبار...وهذا يجعلنا نتفاءل بأن "المعرض القادم" سيكون بحلة جديدة، تُردم فيها الثغرات، وتُبرزُ من خلالها جماليات وروح المكان وأروقة العلم والمعرفة، مع ضرورة الانتباه لدور منصات التواصل الاجتماعي، والناشطين من الشباب، ومحاولة استقطابهم وتسخيرهم "للتسويق المعلوماتي" الذي ينقل محتوى المعرض ويبرز الكاتب العماني، وعدم التغاضي عن تفعيل دور "الذكاء الاصطناعي" وضرورة توظيفه لخدمة المعرفة، ويمكن الاستعانة بالروبوتات الذكية التي تحتوي على قواعد بيانات (فهرسة المحتوى) وهذا سيجعل الزائر يصل لهدفه بأسلوب سهل وسريع.. كما نأمل أن نرى أركانا علمية بحثية تعرف الزائرين بالمخترعين والمبدعين العمانيين.. وهذا بدوره يمزج بين "المعرفة" بمحتواها التقليدي والتطور التقني وعالمه الافتراضي؛ إذ أصبح الأخير واقعاً يجب التعايش معه، والتصالح مع مفرداته الحديثة.

تعليق عبر الفيس بوك